فصل باب اللفظ والنظم .
لا يكونُ لإِحدى العبارتين مزيةٌ على الأُخرى حتى يكونَ لها في المعنى تأثيرٌ لا يكونُ لصاحبتها . فإِنْ قلتَ : فإِذا أفادتْ هذه ما لا تفيدُ تلك فليستا عبارتين عَنْ معنى واحدٍ بل هما عبارتان عن معنيين اثنين قيل لك : إِن قولَنا : " المعنى " في مثل هذا يرادُ به الغرضُ . والذي أرادَ المتكلمُ أن يثبتَه أو ينفيَه نحوُ : إنْ تقصِد تشبيهَ الرجلِ بالأسد فتقول : زيدٌ كالأسد ثم تريدُ هذا المعنى بعينهِ فتقولُ : كأن زيداً الأسد . فتفيدُ تشبيهه أيضاً بالأسدِ إِلاّ أنك تزيدُ في معنى تشبيههِ به زيادةً لم تكن في الأولِ وهي أن تجعلَه من فرطِ شجاعتِه وقوةِ قلبِه وأنه لا يروعُه شيءٌ بحيث لا يتميَّز عن الأسدِ ولا يقصُرُ عنه حتى يُتوهَّم أن أسدٌ في صورة أدميٍّ . وإِذا كان هذا كذلك فانظرْ هل كانت هذه الزيادةُ وهذا الفرقُ إِلاّ بما تُوُخِّيَ في نظمِ اللفظِ وترتيبه حيثُ قدَّم الكافَ إِلى صدرِ الكلامِ وركَّبت مع " أَنَّ " . وإِذا لم يكن إِلى الشكِّ سبيلٌ أن ذلك كانَ بالنظم فاجعلْه العبرةَ في الكلام كلِّه ورُضْ نفسَك على تفهُّمِ ذلكَ وتتَّبعه واجعلْ فيها أنك تزاولُ منه أمراً عظيماً لا يُقادَر قَدْرُه وتدخلُ في بحر عميقٍ لا يُدْرَك قعرُه .
فصل هو فَنٌّ آخره يرجع إلى هذا الكلامُ .
قد عُلِم أن المُعارضَ للكلام مُعارضٌ له من الجهةِ التي منها يُوْصَفُ بأنه فصيحٌ وبليغٌ ومتخيَّرُ اللفظِ جيدُ السبكِ ونحوُ ذلك من الأوصافِ التي نَسَبوها إلى اللفظِ