الأخبار : " ورأيتُ عامَّتَهم فقد طالتْ مُشاهَدتي لَهُم - وهم لا يَقفونَ إلاّ على الألفاظِ المتخيَّرةِ والمعاني المنتخَبَةِ والمخارجِ السهلةِ والديباجةِ الكريمةِ وعلى الطبعِ المتمكِّن وعلى السَبْكِ الجيدِ وعلى كلِّ كلامٍ له ماءٌ ورونقٌ " وقولهِ في بيتِ الحطيئة - الطويل - : .
( متى تأتِه تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِه ... تجدْ خيرَ نارٍ عندَها خَيْرُ موقِدِ ) .
" وما كانَ ينبغي أن يُمدَحَ بهذا البيتِ إلاّ من هُوَ خيرُ أهلِ الأرض . على أنّي لم أُعْجَبْ بمعناه أكثرَ من عُجْبي بلفظِه وطبعِه ونَحتِه وسَبْكِهِ " فيفهَمُ منه شيئاً أو يقفُ للطابَعِ والنِّظام والنَحْتِ والسَّبْك والمَخارجِ السَّهلِة على معنًى أو يَحْلَى منه بشيءٍ . وكَيْفَ بأنْ يعرفَه ولربَّما خَفِيَ على كثيرٍ من أهلِهِ .
واعلمْ أن الداءَ الدَّويَّ والذي أعيا أمرُه في هذا الباب غلط مَنْ قَدَّم الشعرَ بمعناه وأقلَّ الاحتفالَ باللفظِ وجعلَ لا يعطيه مِنَ المزيةِ إنْ هو أعطى إلا ما فَضَلَ عن المعنى : يقولُ ما في اللفظِ لولا المعنى وهلِ الكلامُ إلاّ بمعناه فأنتَ تراهُ لا يقدِّم شعراً حتى يكونَ قد أودِعَ حكمَةً أو أدباً واشتملَ على تشبيهٍ غريبٍ ومعنًى نادرٍ . فإِنْ مالَ إلى اللفظِ شيئاً ورأى أنْ ينحَلَه بعضَ الفضيلة لم يعرفْ غيرَ الاستعارةِ ثم لا ينظرُ في حالِ تلك الاستعارةِ : أحسُنَتْ بمجرَّدِ كونِها استعارةً أم منْ أجلِ فَرْقٍ ووجهٍ أم للأمرين لا يَحْفِلُ بهذا وشبههِ قد قَنِعَ بظواهرِ الأمور وبالجملِ وبأنْ يكونَ كمن يجلُبُ المتاعَ للبيعِ إنما همُّه أن يروِّجَ عنه . يرى أنَّه إِذا تكلمَ في الأخذ والسرقةِ وأحْسنَ أن يقولَ : أخذَهُ من فلانٍ وألمَّ فيه بقولِ