له . ذاك لأنّا لم نتعبَّد بتلاوتِه وحفظهِ والقيامِ بأداءِ لفظهِ على النَّحو الذي أُنزلَ عليه وحراستِه من أن يغيَّرَ ويُبدَّلَ إِلا لتكونَ الحُجّةُ بهِ قائمةً على وجهِ الدَّهر تُعرفُ في كلّ زمانٍ ويُتوصَّل إِليها في كلَّ أوانٍ ويكونَ سبيلُها سبيلَ سائرِ العلوم التي يَرويها الخلفُ عن السَّلف ويأثُرُها الثاني عن الأوّل . فمَنْ حالَ بينَنا وبينَ مالهُ كانَ حِفْظُنا إيْاهُ واجتهادُنا في أن نؤدَّيَهُ ونَرعاه كَان كَمن رامَ أن يُنسِيَناهُ جُملةً ويُذهِبَه من قلوبنا دَفعةً .
فسواءٌ مَنْ منعكَ الشيءَ الذي يُنتزعُ منه الشّاهِدُ والدَّليلُ ومَن مَنَعَك السّبيلَ إِلى انتزاعِ تلك الدَّلالةِ والاطَّلاعِ على تلك الشَّهادةِ . ولا فرقَ بينَ مَن أعدمَك الدَّواءَ الذي تَسْتَشفي به من دائكَ وتَسْتبقي به حُشاشةَ نفسِك وبينَ مَن أعدمَكَ العلمَ بأنَّ فيه شفاءً وأنَّ لك فيه اسْتبقاءً .
فإِنْ قال منهُم قائلٌ : إِنّك قد أغفلتَ فيما رتَّبتُ فإِنَّ لنا طريقاً إِلى إِعجازِ القرآنِ غيرَ ما قُلتُ وهو عِلمُنا بعجزِ العرَب عن أن يأتوا بمثلِه وتركِهم أن يعارضُوه مع تكرارِ التّحدَّي عليهم وطولِ التقَّريع لهُم بالعجزِ عنه . ولأنَّ الأمرَ كذلكَ ما قامتْ به الحُجّةُ على العَجم قيامَها على العرب . واستوى النّاسُ قاطبةً فلم يخرج الجاهلُ بلسانِ العرب من أن يكونَ مَحْجوجاً بالقرآن .
قيلَ له : خَبّرنا عمّا اتفقَ عليه المُسلمون منِ اختصاصِ نبيَّنا عليه السلام بأن كانتْ معجزتُه باقيةً على وجهِ الدَّهر أتعرفُ له معنىً غيرَ أن لا يزالُ البرهانُ منه لائحاً مُعْرضاً لكلَّ من أرادَ العلمَ به وطلبَ الوصولَ إِليه والحُجّةَ فيه وبه ظاهرةً لمن أرادَها والعلمُ بها ممكناً لمَن التمَسه فإِذا كنتَ لا تشكُّ في أنْ لا معنىً لبقاءِ المُعجزةِ بالقرآن إِلا أنَّ