ضروريٌّ وعلمٌ مكتَسبٌ وعلم جليٌّ وعلم خفيٌّ وضربُ شديدٌ وضربٌ خفيفٌ وسيرُ سريع سيرٌ بطيء وما شاكل ذلك . انقسَم الجنسُ منها أقساماً وصار أنواعاً وكان مَثَلُها مثلَ الشيء المجموع المؤلَّفِ تُفرِّقه فِرقاً وتشعِّبُهُ شُعَباً . وهذا مذهبٌ معروف عندهم وأصلٌ متعارفٌ في كلِّ جيل وأمة .
ثم إن هاهُنا أصلاً هو كالمتفرِّع على هذا الأصل أو كالنظيرِ له . وهو أن مِنْ شأنِ المصدر أن يفرَّقَ بالصِّلات كما يفرِّقُ بالصفات . ومعنى هذا الكلامِ أنك تقول : " الضربُ " فتراه جنساً واحداً فإذا قلتَ : الضربُ بالسيف صار تعديتُك له إلى السيف نوعاً مَخصوصاً . ألا تراك تقولُ : الضربُ بالسيف غيرُ الضرب بالعصا تريدُ أنهما نوعانِ مختلفانِ وأنِّ اجتماعَهما في اسم الضربِ لا يوجِبُ اتفاقَهما لأن الصِّلةَ قد فَصَلَتْ بينُهما وفرِّقَتهما . ومن المثال البيِّن في ذلك قولُ المتنبي - الكامل - : .
( وتوهًّمُوا اللّعِبَ الوَغى والطَّعْنُ في ... الْهَيْجاءِ غَيْرُ الطَّعْنِ في المَيْدَانِ ) .
لولا أَنَّ اختلافَ صِلة المصدرِ تَقتضي اختلافَه في نفسهِ وأن يَحْدُثَ في انقسامٍ وتنوعٍ لما كان لهذا الكلام معنًى ولكان في الاستحالة كقولك : والطَّعنُ غيرُ الطعن . فقد بان إذاً أنه إنَّما كانَ كلُّ واحد من الطَّعنين جنساً برأسِه غيرَ الآخر بأّنْ كان هذا في الهيجاءِ وذاك في الميدانِ . وهكذا الحكمُ في كلِّ شيء تَعَدّى إليه المصدرُ وتعلَّق به . فاختلافُ مفعولَيْ المصدر يقتضي اختلافَه . وأن يكونَ المتعدي إلى هذا المفعولِ غيرَ المتعدّي إلى ذاك . وعلى ذلك تقولُ : ليس إعطاؤك الكثيرَ كإعطائك القليلَ . وهكذا إذا عدَّيَته إلى الحال كقولك : ليس إِعطاؤكَ مُعسِراً كإعطائك موسِراً . وليسَ بذْلُك وأنت مُقِلٌّ كَبذْلك وأنت مُكْثِرٌ . وإذ قد عَرَفْتَ هذا من حُكْم المصدِر فاعتبِرْ به حكمَ الاسم المشتقِّ منه .
وإذا اعتبرتَ ذلك علمتَ أنَّ قولك : هو الوفيُّ حين لا يَفي أحدٌ وهو الواهبُ المئةَ المصطفاةَ . وقوله - الخفيف - :