لجاز أن يقعَ في وهمِ السامع إلى أنْ يجيءَ إلى قولِه : " إلى " العظم " أن هذا الحزَّ كان في بعضِ اللحم دونَ كلَّه وأنّه قطعَ ما يَلي الجلدَ ولم ينتهِ إلى ما يَلي العظمَ . فلما كان كذلك تركَ ذكرَ اللحم وأسقطه مَنَ اللفظ ليُبرىء السامعَ من هذا الوهمِ ويجعَله بحيثُ يقعُ المعنى منه في أنفِ الفهم ويتصوَّرُ في نفسه من أولِ الأمر أنَّ الحزَّ مضى في اللحمِ حتى لم يردَّه إلا العظمُ . أفيكونُ دليلٌ أوضحَ من هذا وأبينَ وأجلى في صحة ما ذكرتُ لك من أنك قد ترى تركَ الذِّكر أفصحَ من الذكر والامتناعَ من أن يبرزَ اللفظُ منَ الضميرِ أحسنَ للتصوير .
فصل القول على فروق في الخبر .
أولُ ما ينبغي أن يُعْلَم منه أنَّه ينقَسمُ إلى خبرٍ هو جزءٌ من الجملةِ لا تتمُّ الفائدة دونَه وخبرٍ ليس بجزءٍ منَ الجملة ولكنه زيادةٌ في خبرٍ آخرَ سابقٍ له .
فالأولُ خبرُ المبتدأ كمنطلقٌ في قولك : زيدٌ منطلقٌ . والفعلُ كقولك : خرجَ زيدٌ . فكلُّ واحدٍ من هذين جزءٌ منَ الجملة وهو الأصلُ في الفائدة .
والثاني هو الحالُ كقولك : جاءني زيدٌ راكباً . وذاك لأنَّ الحالَ خبرٌ في الحقيقة من حيثُ إنك تُثبت بها المعنى لذي الحالِ كما تثبتُ بخبرِ المبتدأ للمبتدأ وبالفعلِ للفاعل . ألا تراكَ قد أثبتَّ الركوبَ في قولَك : " جاءني زيدٌ راكباً " لزيدٍ إلاّ أنَّ الفرقَ أنك جئتَ به لتزيدَ معنىً في إخبارك عنه بالمجيءِ وهو أن تجعلَه بهذه الهيئة في مجيئهِ ولم تجردْ إثباتَك للركوب ولم تُباشْره به بل ابتدأتَ فأثبتَّ المجيءَ ثمَّ وصلتَ به الركوبَ فالتَبسَ به الإثباتُ على سبيل التَّبع للمجيءِ وبشرط أنْ يكونَ في صلتِه . وأمَّا في الخبِر المطلقِ نحوُ : " زيدٌ منطلقٌ وخرجَ عمرٌو " فإنك مثبتٌ للمعنى إثباتاً جرَّدتَه له وجعلتَه يباشرُه من غيرِ واسطةٍ ومن غيرِ أن تتسَّببَ بغيرِه إليه فاعرفْه .
وإذ قد عرفتَ هذا الفرقَ فالذي يليِه من فروقِ الخبرِ هو الفرقُ بينَ الإثباتِ إذا كان