كلَّ قومٍ . فأنتَ الآن إذا تصفَّحتَ الكلامَ وجدتَ هذين الاسمين يقدَّمان أبداً على الفعل إذا نُحِّيَ بهما هذا النَّحوَ الذي ذكرتُ لك وترى هذا المعنى لا يستقيمُ فيهما إذا لم يُقَدَّما . أفلا تَرى أنك لو قلتَ : يَثْني المزنَ عن صَوبه مثلُك وَرَعى الحقَّ والحرمَة مثلُك ويحمِلُ على الاَّدهم والأَشهب مثلُ الأمير ويَنْخدع غيري بأكثرِ هذا الناس ويأكلُ غيري المعروفَ سُحتاً رأيتَ كلاماً مقلوباً عن جهتهِ ومغيَّراً عن صورتِه ورأيتَ اللفظ قد نَبا عن معناهُ ورأيتَ الطَبْع يأبى أن يرضاه وأعلمْ أنَّ معكَ دُستوراً لك فيه إن تأمَّلتَ غنًى عن كلَّ ما سِواهُ وهو أنه لا يجوزُ أن يكونَ لنظمِ الكلامِ وترتيبِ أجزائه في الاستفهام معنًى لا يكونُ لهُ ذلك المعنى في الخبر . وذاك أنَّ الاستفهامَ استخبارٌ والاستخبارَ هو طلبٌ منَ المخاطب أن يُخبرك . فإِذا كان كذلك كان مُحالاً أن يفترقَ الحالُ بينَ تقديمِ الاسمِ وتأخيرهِ في الاستفهامِ فيكون المعنى إذا قلتَ أزيدٌ قام غيرَه إذا قلتَ : أقامَ زيدٌ ثم لا يكونُ هذا الافتراقُ في الخبر ويكون قولُك : زيدٌ قام وقام زيدٌ سواءً ذاك لأنه يؤدي إلى أن تستعملَه أمراً لا سبيلَ فيه إلى جوابٍ وأن تستثبتَه المعنى على وجهٍ ليس عنده عبارةً يثبتُه لكَ بها على ذلك الوجه . وجُمْلَةُ الأمرِ أنَّ المعنى في إدخالك حرفَ الاستفهام على الجُملةِ من الكلام هو أنَّك تطلبُ أن يَقِفَك في معنى تلك الجملة ومَؤَدَّاها على إثباتٍ أو نَفْي . فإِذا قلتَ أزيدٌ منطلقٌ فأنتَ تطلب أنْ يقولَ لك : نَعَم هو منطلقٌ أو يقولَ : لا ما هو منطلقٌ . وإذا كان ذلك كذلك كان مُحالاً أن لا تكونَ الجملةُ إذا دخلتْها همزةُ الاستفهام استخباراً عنِ المعنى على وجهٍ لا تكونُ هي إذا نُزِعَتْ منها الهمزةُ إخباراً به على ذلك الوجه فاعرفْه