ليس يصلحُ شيءٌ من ذلك إلاّ على ما تراهُ لو قلتَ : رأيتُه ويكتبُ ودخلتُ عليه ويملي الحديث وتمززتُها ويدعو الديكُ صباحَه لم يكن شيئاً .
وممّا هو بهذهِ المنزلةِ في أنك تجدُ المعنى لا يستقيمُ إلاّ على ما جاءَ عليه من بناءِ الفعل على الاسم قولُه تعالى : ( إنَّ وَليَّيَ اللّهُ الَّذي نَزَّلَ الكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحينَ ) ( وَقَالُوا أَسَاطيرُ والأَوَّلينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأَصيلاً ) وقوله تعالى : ( وحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنودُهُ مِنَ الجِنّ والإِنْسِ والطَّيْرِ فهُمْ يُوزَعون ) فإِنَّه لا يَخْفَى على مَنْ له ذوقٌ أنه لو جيءَ في ذلك بالفِعْل غيرَ مبنيٍّ على الاسم فقيلَ : إن ولّيَي اللّه الذي نزَّل الكتابَ ويتولَّى الصالحين واكتتبَها فتُمْلَى عليه وحُشِرَ لسليمانَ جنودهُ من الجِنَّ والإِنسِ والطيرِ فيوزعون لوُجِدَ اللفظُ قد نَبا عنِ المعنى والمعنى قد زالَ عن صورتِه والحالِ التي يَنْبغي أن يكونَ عليها .
واعلمْ أن هذا الصنيعَ يقتضي في الفعل المنفيَّ ما اقتضاهُ في المُثبتِ فإِذا قلتَ : أنتَ لا تُحْسِنُ هذا كان أشدَّ لنفيِ إحسانِ ذلك عنه من أن تقول : لا تُحسنُ هذا . ويكونُ الكلامُ في الأولِ مع من هو أشدُّ إعجاباً بنفسهِ وأعرض دعوى في أنه يحسنُ حتى إنك لو أتيتَ بأنتَ فيما بعدَ تُحسن فقلتَ : لا تُحسنُ أنت لم يكن له تلك القوة . وكذلك قولُه تعالى : ( والَّذينَ هُمْ بِرَبهِمْ لا يُشْرِكُون ) يفيدُ مِنَ التأكيد في نفي الإِشراك عنهم ما لو قيل : والذين لا يُشْركون بربَّهم أو بربَّهم لا يشركون لم يفدْ ذلك وكذا قولُه تعالى : ( لقَدْ حَقَّ القولُ عَلَى أكثَرهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمنُونَ ) وقولُه تعالى : ( فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْباءُ يَوْمئَذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ ) و ( إِنَّ شَرَّ الدَّوابَّ عِنْدَ اللَّهِ الّذين كَفَرُوا فهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) .
تقديم مثل وغير : .
ومما يُرى تقديمُ الاسم فيه كاللازم " مثلُ " و " غيرُ " في نَحْوِ قوله - السريع - :