فأداة التشبيه جاءت هنا في الآخر مع المستطرد به كما تقرر ولم يقدم الناظم في أول البيت ما يتوصل به إلى آخره .
اه .
ومثل هذا الإيراد قول ابن جلنك الحلبي وهو أظرف ما رأيت في هذا الباب حكي أنه كتب رقعة إلى بعض الحكام وقيل إلى قاضي القضاه كمال الدين بن الزملكاني يسأله فيها شيئا فوقع له بخبز وأستحيي أن أقول إنه رطلان فتوجه ابن جلنك يوما إلى بستان يرتاض فيه فقيل إنه لقاضي القضاة المشار إليه فكتب على حائط البستان .
( لله بستان حللنا دوحه ... في جنة قد فتحت أبوابها ) .
( والبان تحسبها سنانيرا رأت ... قاضي القضاة فنفشت أذنابها ) .
فاستطراده من وصف البستان وتشبيه البان التشبيه المخترع إلى هجو قاضي القضاة مرقص عند سماعه .
وما شك أحد من أهل الأدب أن التشبيه غريب في اختراعه وقيل إن الشيخ بدر الدين بن مالك أملى عليهما كراسة في البديع وأنا بالأشواق إلى رؤيتها .
ومن استطرادات أبي عبد الله محمد بن حجاج البغدادي في طريقه التي لم تنسج على منوالها غيره فإن الشيخ جمال الدين بن نباتة قال فيها في خطبة كتابه المسمى بتلطيف المزاج في شعر ابن حجاج فإني رأيت نتائج أفكار الشعراء ذرية بعضها من بعض وأمم أشعارهم تبعث جميعها في صعيد واحد من الأرض إلا أشعار الأريب الفريد أبي عبد الله الحسين بن حجاج فإنها أمة غريبة تبعث وحدها وذرية عجيبة تبلغ بإتقان اللهو اللعب رشدها لم يحط خاطر أحد بمثلها خبرا ولا استطاع على معارضة شهدها صبرا انتهى قول الشيخ جمال الدين .
واستطراده الموعود بذكره هو قوله .
( تفديك أمي وأبي ... وابني وإن كان صبي ) .
( يا من إليه حينما ... وجدته منقلبي )