الظاهرة أيضا جناسان مضمران في صدر البيت وهما جبل وجبل وصخر وصخر وبالنسبة إلى الجبل في الركن الواحد يحسن قولي فهدوني بجورهم وقد أظهرت محاسن هذا الجناس المضمر وكشفت عن جماله الباهر سطور الأشكال ليتمتع به صاحب الذوق السليم فإن فحول المتأخرين وقفوا عن المجاراة في حلبته ولم يتعلق أحد منهم إلا بأذيال الضرب الثاني وهو جناس الإشارة ويأتي الكلام عليه .
ومن غريب ما يحكى أن الشيخ صلاح الدين الصفدي قال في شرح لامية العجم وفي كتابه المسمى بجنان الجناس لما اعترضه الجناس المعنوي قال هذا النوع عندي باطل ولم يتيسر له منه نظم بيت واحد مع كثرة تهافته على الجناس وأنواعه .
والذي يظهر لي أنه عجز عن نظمه فإنه قال في غضون ذلك وقد استخرجت من شعر أبي الطيب المتنبي من الجناس المعنوي قوله .
( حاولن تقريبي وخفن مراقبا ... فوضعن أيديهن فوق ترائبا ) .
وهذا دليل على أنه لم يفهمه .
انتهى الكلام على الجناس المعنوي الذي يضمر فيه الركنان وما أخرت بيت الشيخ عز الدين الموصلي ونثرت نظم الترتيب الذي تقدم إلا لتنحيه عن نظم الجناس المعنوي المضمر الركنين وميله إلى جناس الإشارة لسهولة مأخذه فلم يبق لبيته طاقة على المناظرة لتحوله عن النوع الذي عارض فيه الشيخ صفي الدين والظاهر أنه قنع بقول القائل .
( إذا منعتك أشجار المعالي ... جناها الغض فاقنع بالشميم ) .
والضرب الثاني من المعنوي وهو جناس الإشارة والكناية هو غير الأول وسبب ورود هذا النوع في النظم أن الشاعر يقصد المجانسة في بيته بين الركنين من الجناس فلا يوافقه الوزن على إبرازهما فيضمر الواحد ويعدل بقوته إلى مرادف فيه كناية تدل على الركن المضمر فإن لم يتفق له مرادف الركن المضمر يأتي بلفظة فيها كناية لطيفة تدل عليه وهذا لا يتفق في الكلام المنثور والذي يدل عليه المرادف قول امرأة من عقيل وقد أراد قومها الرحيل عن بني ثهلان وتوجه منهم جماعة يحضرون الإبل وهو .
( فما مكثنا دام الجمال عليكما ... بثهلان إلا أن تشد الأباعر )