ذكر الإشارة .
( ومن إشارته في الحرب كم فهم الأنصار ... معنى به فازوا بنصرهم ) .
هذا النوع أعني الإشارة ما فرعه قدامة من ائتلاف اللفظ مع المعنى وشرحه بأن قال هو أن يكون اللفظ القليل مشتملا على المعنى الكثير بإيماء ولمحة تدل عليه كما قيل في صفة البلاغة هي لمحة دالة وتلخيص هذا الشرح إنه إشارة المتكلم إلى المعاني الكثيرة بلفظ يشبه لقلته واختصاره بإشارة اليد فإن المشير بيده يشير دفعة واحدة إلى أشياء لو عبر عنها بلفظ لاحتاج إلى ألفاظ كثيرة ولا بد في الإشارة من اعتبار صحة الدلالة وحسن البيان مع الاختصار لأن المشير بيده إن لم يفهم المشار إليه معناه فإشارته معدودة من العبث .
وكان النبي سهل الإشارة كما كان سهل العبارة وهذا ضرب من البلاغة يمتدح به .
والإشارة قسمان قسم للسان وقسم لليد ومن شواهد الإشارة في الكتاب العزيز قوله ( وغيض الماء ) فإنه سبحانه أشار بهاتين اللفظتين إلى انقطاع مادة الماء من نبع الأرض ومطر السماء وذهاب الماء الذي كان حاصلا على وجه الأرض قبل الإخبار ولو لم يكن كذلك لما غاض الماء ومنه قوله تعالى ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) فالمح أيها المتأمل كل ما تميل النفوس إليه من اختلاف الشهوات وملاذ الأعين في اختلاف المرئيات لتعلم أن بلاغة هذا اللفظ القليل جدا عبرت عن المعاني