الذي تتهيأ فيه التورية من قبل وقد استشهدوا على ذلك بقول ابن سناء الملك يمدح الملك المظفر صاحب حماة .
( وسيرك فينا سيرة عمرية ... فروحت عن قلب وأفرجت عن كرب ) .
( وأظهرت فينا من سميك سنة ... فأظهرت ذاك الفرض من ذلك الندب ) .
الشاهد هنا في الفرض والندب وهما يحتملان أن يكونا من الأحكام الشرعية وهذا هو المعنى القريب المورى به ويحتمل أن يكون الفرض بمعنى العطاء والندب صفة الرجل السريع في قضاء الحوائج الماضي في الأمور وهذا هو المعنى البعيد المورى عنه ولولا ذكر السنة لما تهيأت التورية فيهما ولا فهم من الفرض والندب الحكمان الشرعيان اللذان صحت بهما التورية .
القسم الثاني من التورية المهيأة وهو الذي تتهيأ فيه التورية بلفظة من بعد ومن أمثلته نثرا قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الأشعث بن قيس إنه كان يحوك الشمال باليمين فالشمال يحتمل أن يكون جمع شملة وهذا هو المعنى البعيد المورى عنه ويحتمل أن يراد بها الشمال التي هي إحدى اليدين وهذا هو المعنى القريب المورى به ولولا ذكر اليمين بعد الشمال لما تنبه السامع لمعنى اليد ومنه نظما قول الشاعر .
( لولا التطير بالخلاف وأنهم ... قالوا مريض لا يعود مريضا ) .
( لقضيت تحبا في جنابك خدمة ... لأكون مندوبا قضى مفروضا ) .
فالمندوب هنا يحتمل الميت الذي يبكى عليه وهذا هو المعنى البعيد المورى عنه وهو المراد ويحتمل أن يكون أحد الأكام الشرعية وهو المعنى القريب المورى به ولولا ذكر المفروض بعده لم يتنبه السامع لمعنى المندوب ولكنه لما ذكرت تهيأت التورية بذكره ومثله قول أبي الحسين الجزار .
( يا عذولي دعني من العذل إن ... النصح في مذهب الهوى تحريض ) .
( مت لما نأى فها أنا مندوب ... فراق وحبه مفروض ) .
الكلام على هذا الشاهد كالكلام على الذي قبله