فاقتران هذه الجملة أيضا بامتناع قعود القوم فوق الشمس المستفاد بلو هو الذي أظهر بهجة شمسها في باب الإغراق .
ومما استشهدوا به على هذا النوع بغير أداة التقريب قول امرىء القيس .
( تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي ) .
وبين المكانين بعد تام فإن أذرعات من الشام والنار التي تنورها من أذرعات كانت بيثرب مدينة النبي وقد أثبتوا هذا الشاهد في باب الإغراق لأنهم قالوا لا يمتنع عقلا أن ترى النار من بعد هذه المسافة وأن لا يكون ثم حائل من جبل أو غيره من عظم جرم النار ولكن ذلك ممتنع عادة هذا إن جعلنا تنورتها نظرت إلى نارها حقيقة وأما إن جعلناه بمعنى توهمت نارها وتخيلتها في فكري فلا يكون في البيت إغراق .
ومثله قول أبي الطيب المتنبي في صباه .
( روح تردد في مثل الخلال إذا ... أطارت الريح عنه الثوب لم يبن ) .
( كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني ) .
وقالوا هنا لا يمتنع عقلا أن ينحل الشخص حتى يصير مثل الخلال ولا يستدل عليه إلا بالكلام إذ الشيء الدقيق إذا كان بعيدا لا يرى بخلاف الصوت ولكن صيرورة الشخص في النحول إلى مثل هذه الحال ممتنع عادة ولعمري إن الشيخ شرف الدين بن الفارض ضم خصر هذا المعنى الرقيق ورشحه بنفائس العقود حيث قال .
( كأني هلال الشك لولا تأوهي ... خفيت فلم تهد العيون لرؤيتي ) .
قلت إذا قابلنا نحول المتنبي بهلال الشك الذي أبرزه ابن الفارض لم تبعد المقارنة لكن من قابل قول المتنبي انني رجل لولا مخاطبتي بقول الشيخ شرف الدين ابن الفارض في بيته كأني هلال الشك لولا تأوهي لا بد أن يقابله الله على ذلك وأين لطف لولا تأوهي من ثقل لولا مخاطبتي فالفرق بين خطاب الرجل وتأوه هلال الشك لا يخفى على حذاق أهل الأدب