أنظر أيها المتأمل إلى هذه التشابيه التي يرشفها السمع مداما وتهيم الأذواق السليمة في محاسنها غراما ومن ذلك قول ابن حاجب النعمان .
( ثغر وخد ونهد واحمرار يد ... كالطلع والورد والرمان والبلح ) .
ومثله قول ابن رشيق .
( بفرع ووجه وقد وردف ... كليل وبدر وغصن وحقف ) .
المراد هنا من حسن التشبيه وبليغه غير كثرة العدد في الصفات فإن قاضي القضاة نجم الدين بن البارزي نور الله ضريحه وصل فيه من العدد إلى سبعة وأوردت ذلك في باب اللف والنشر وأوصله الناس إلى أكثر من ذلك ولكن جل القصد هنا غير كثرة العدد فإن المراد من التشبيه غرابة أسلوبه وسلامة اختراعه كقول القائل .
( وتحدث الماء الزلال مع الحصى ... فجرى النسيم عليه يسمع ما جرى ) .
( فكأن فوق الماء وشيا ظاهرا ... وكأن تحت الماء درا مضمرا ) .
أقول إن تشبيه هذا الدر المضمر هنا أغلى قيمة من الدر الظاهر في عقود الأجياد ومثله في الغرابة وسلامة الاختراع قول ابن المعتز .
( كأنه وكأن الكأس في فمه ... هلال أول شهر غاب في الشفق ) .
ومن ذلك قوله .
( على عقار صفراء تحسبها ... شيبت بمسك في الدن مفتوت ) .
( للماء فيها كتابة عجب ... كمثل نقش في فص ياقوت ) .
ومثله قول ابن حجاج وهو بديع .
( هذي المجرة والنجوم كأنها ... نهر تدفق في حديقة نرجس ) .
ومن مخترعات ابن المعتز في تشبيه الهلال قوله .
( أنظر إلى حسن هلال بدا ... يهتك من أنواره الحندسا ) .
( كمنجل قد صيغ من عسجد ... يحصد من زهر الدجى نرجسا )