وقد حبست عنان القلم عن الاستطراد إلى وصف محاسن هذا البيت ومناسباته المعنويه فإن برهانه غير محتاج إلى إقامة دليل .
وهذا الموشح نظمته بحماه المحروسة في مبادي العمر ورياحين الشبيبة غضة .
ولما طلبت إلى الأبواب الشريفة المؤيدية سنة خمس عشرة وثمانمائة ووصلت إلى الديار المصرية في التاريخ المذكور وجدته ملحنا وأهل مصر يلهجون به وبتلحينه كثيرا فتعين علي أن أثبت هنا منه شيئا ليحلو تكريره بمصر وتعرف رتبة قوافيه لأجل بيت المخلص الذي أوردته مثالا على نوع المناسبة المعنوية .
فمن غزل الموشح المذكور .
( ماست بقامتها يوما بذي سلم ... والشعر كالعلم المنشور للأمم ) .
( فقلت يا قلب أعلام الهنا نصبت ... ها أنت تخطر بين البان والعلم ) .
( وأسود الخال مذ تبدى ... في خدها همت فيه وجدا ) .
( قالت وطلعتها كالشمس في الحمل ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل ) .
( سألتها برد ما عندي من الكمد ... وقلت نار الجوى قد أضعفت جلدي ) .
( قالت بريقي أطفئها إذا التهبت ... يا برد ذاك الذي قالت على كبدي ) .
( وغرقتني بدمع طرفي ... وقالت اسمع كفيت خلفي ) .
( ألم تخف بللا ناديت يا أملي ... أنا الغريق فما خوفي من البلل ) .
منه .
( بالله يا برق إن أومضت في الثغر ... وحارس اللحظ في شك من الخبر ) .
( قف بالثنيات واذكرني إذا عذبت ... تلك النهيلات للوراد في السحر ) .
( وأرسل عليل النسيم خلفي ... فإنه قوة لضعفي ) .
( عسى تصحح جسما بالفراق بلي ... وربما صحت الأجسام بالعلل ) .
منه .
( إنسان مقلتها لما رأى كلفي ... بسيفه قد أقام الحد في تلفي ) .
( فمت بالسيف قهرا والحشا نهبت ... لكنني عند موتي مذ قرى شغفي ) .
( ناديته والدموع طوفان ... وقلت هذا فعال إنسان ) .
( إلام تعجل في قتلي بلا زلل ... فقال لي خلق الإنسان من عجل )