واحد وهذا هو الغاية القصوى عند المتأخرين الذين اعتنوا به .
وعلى كل تقدير فمن كلام العرب استنبط كل فن فإنهم ولاة هذا الشأن لكنهم كانوا يؤثرون عدم التكلف ولا يرتكبون من فنون البديع إلا ما خلا من التعسف .
فمن ذلك قول الفرزدق وأجاد إلى الغاية .
( وركب كأن الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب ) .
( سروا يخبطون الليل وهي تلفهم ... إلى شعب الأكوار من كل جانب ) .
( إذا آنسوا نارا يقولون ليتها ... وقد حضرت أيديهم نار غالب ) .
ومثله قول أبي نواس .
( تقول التي من بيتها خف محملي ... يعز علينا أن نراك تسير ) .
( أما دون مصر للغنى متطلب ... بلى إن أسباب الغنى لكثير ) .
( فقلت لها واستعجلتها بوادر ... جرت فجرى في إثرهن عبير ) .
( دعيني أكثر حاسديك برحلة ... إلى بلد فيه الخصيب أمير ) .
ومثله في الحسن قوله .
( وإذا جلست إلى المدام وشربها ... فاجعل حديثك كله في الكاس ) .
( وإذا نزعت عن الغواية فليكن ... لله ذاك النزع لا للناس ) .
( وإذا أردت مديح قوم لم تمن ... في مدحهم فامدح بني العباس ) .
أقول إن هذه الطريق التي مشى عليها أبو نواس ومن تقدمه من المتقدمين ممن أوردت نظمه في هذا الباب وهي حسن التخلص ببيت واحد باستطراد رشيق ينتقل الشاعر به من الشطر الأول إلى الشطر الثاني فاتت فحولا من الشعراء كالبحتري وأبي تمام في غالب القصائد على أنهما المقدمان في هذا الشأن .
وقد تقرر أن حسن التخلص ما كان في بيت واحد يثب الشاعر من شطره الأول إلى الثاني وثبة تدل على رشاقته وقوته وتمكنه في هذا الفن .
وإذا لم يكن التخلص