توجيها مطابقا لمعنى اللفظ الثاني من غير اشتراك حقيقة بخلاف التورية وقد تقدم ذلك وتقرر الكلام عليه وعلى التوجيه في قواعد العلوم وبقية الفنون وعلى كل تقدير فالكل راجع إلى طريق واحد والاشتراك هنا في النعمان والمنذر ظاهر ولكن في النكتة اللطيفة في الأسود فإن المتأمل ما يتخيل في أول وهلة غير سواد الخال وجل القصد في المعنى الآخر هو الملك الأسود أخو النعمان بن المنذر وهو أحد ملوك العرب والتورية ههنا في التوجيه الذي هو اسم النوع البديعي لم يفتها من المحاسن وجه وهذا هو الأفق الذي أقمر فيه الشيخ علاء الدين الوداعي والقاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وغيرهما ممن أوردنا على هذا النوع نظمه وأوصلنا إلى الغرض لما أطلق فيه سهمه وما أخرت بيت العميان وبيت الشيخ عز الدين ونثرت نظم الترتيب هنا إلا لأنهم نسجوا على غير هذا المنوال وتعوضوا عن مسارح الماء الحلو بالآل .
وبيت العميان .
( ترى الغني لديهم والفقير وقد ... عادا سواء فلازم باب قصدهم ) .
هنا بحث لطيف وهو أن العميان نظموا التوجيه بين التسمية التي تحتمل وجهين من المعنى على مذهب المتقدمين وهو الإبهام وقد تقرر أن المتكلم فيه يبهم المعنيين بحيث لا يترشح أحدهما على الآخر بقرينة واستشهدوا عليه بشاهد الإبهام الذي نزلوه على التوجيه وهو قول الشاعر في الخياط وقد تقدم ليت عينيه سواء .
فالشاعر أبهم المعنيين بحيث يتحير السامع والمتأمل ويعجز عن ترجيح أحدهما .
ولم أر في بيت العميان غير التسوية بين الغني والفقير فإن هؤلاء الممدوحين يعطون الفقير إلى أن يصير مساويا للغني وهذا هو المعنى الواحد وهو أوضح من ضوء الشمس إذا توقدت جمرة المصيف وأما المعنى الآخر فما وجدت في بيتهم له قرينة صالحة تدلني عليه وصاحب البيت أدرى بالذي فيه .
وقد تقدم أن نوع التوجيه قسمه البديعيون قسمين وذهب إلى كل منهما فريق .
وبيت الشيخ عز الدين مذبذب .
( بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) وهو .
( نزهت طرفي وسمعي في محاسنه ... وعنك إن تقصد التوجيه في الكلم )