أكبر إن من البلاغة لسحرا والله ما أظن هذا الاتفاق الغريب اتفق لناثر ولإهلال كاتب المأمون في هذا الاستهلال بزاهر وهذا المثال الشريف ليس له مثال منه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي تثني على عزائمه التي دلت على كل أمر رشيد وأتت على كل جبار عنيد وحكمت بعدل السيف في كل عبد سوء ( وما ربك بظلام للعبيد ) .
وبراعة الشيخ جمال الدين بن عبد الرزاق الأصفهاني في رسالة القوس تجاري براعة القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في هذه الحلبة وتساويها في علو هذه الرتبة فإنه أتى فيها بالعجائب وأصاب غرض البلاغة بسهم صائب واستهلها بعد البسملة بقوله تعالى ( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فاتبع سببا ) منها شيطان تطلع شمس النصرة من بين قرنيه مارد لا يصلح إلا بتعريك أذنيه صورة مركبة ليس لها من تركيب النظم إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم .
وأما براعة الشيخ جمال الدين بن نباتة في خطبة كتابه المسمى بخبز الشعير فإنها خاص الخاص ولا بد من مقدمة تكون هي النتيجة الموجبة لتسمية هذا الكتاب بخبز الشعير فإنه مأكول مذموم وما ذاك إلا إنه كان يخترع المعنى الذي لم يسبق إليه ويسكنه بيتا من أبياته العامرة بالمحاسن فيأخذه الشيخ صلاح الدين الصفدي بلفظه ولا يغير فيه غير البحر وربما عام به في بحر طويل يفتقر إلى كثرة الحشو واستعمال ما لا يلائم فلم يسع الشيخ جمال الدين إلا أنه جمعه من نظمه ونظم الشيخ صلاح الدين واستهل خطبته بقوله تعالى ( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا ) ورتب كتابه المذكور على قوله قلت أنا فأخذه الشيخ صلاح الدين وقال .
فمن ذلك قول الشيخ جمال الدين قلت .
( ومولع بفخاخ ... يمدها وشباك ) .
( قالت لي العين ماذا ... يصيد قلت كراكي )