خلق الحيوان والتفكر في ذلك مما يزيده يقينا في معتقده الأول وكذلك معرفة جزئيات العالم من اختلاف الليل والنهار وإنزال الرزق من السماء وإحياء الأرض بعد موتها وتصريف الرياح يقتضي رجاحة العقل ليعلم أن من صنع هذه الجزئيات هو الذي صنع العالم الكلي بعد قيام البرهان على أن للعالم الكلي صانعا مختارا فلذلك اقتضت البلاغة أن تكون فاصلة الآية الثالثة ( لقوم يعقلون ) .
وإن احتيج للعقل في الجميع إلا أن ذكره هنا أمتن بالمعنى من الأول ويروى أن أعرابيا سمع شخصا يقرأ ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله ) غفور رحيم فقال ما ينبغي أن يكون الكلام هكذا .
فقيل إن القارئ غلط والقراءة ( والله عزيز حكيم ) .
فقال نعم هكذا تكون فاصلة هذا الكلام فإنه لما عز حكم .
وإذا تأملت فواصل القرآن وجدتها كلها لم تخرج عن المناسبة كقوله تعالى ( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر ) لا يجوز التبديل بينهما .
إذ لا يجوز النهي عن انتهار اليتيم لمكان تهذيبه وتأديبه وإنما ينهى عن قهره وغلبته كما لا يجوز أن ينهر السائل إذا حرم بل يرده ردا جميلا .
ويعجبني قول ديك الجن .
( قولي لطيفك ينثني ... عن مضجعي عند المنام ) .
عند الرقاد عند الهجوع عند الهجود عند الوسن .
( فعسى أنام فتنطفي ... نار تأجج في العظام ) .
في الفؤاد في الضلوع في الكبود في البدن .
( جسد تقلبه الأكف ... على فراش من سقام ) .
من قتاد من دموع من وقود من حزن .
( أما أنا فكما علمت ... فهل لوصلك من دوام ) .
من معاد من رجوع من وجود من ثمن .
فهذه القوافي المثبتة يقابل كل بيت بما يليق به منها والأولى أولى وأرجح