أنظر أيها المتأمل ما أبدع ما أبرز المطابقة في حلل هاتين الاستعارتين الغريبتين وما ألطف ما أيد معنى المطابقة بقوله بعدها .
( وبنات الصدور أوقع فيما ... زعم المجد من بنات الدنان ) .
فالفاضل أبرز هذه المطابقة في حلل الاستعارة ولكن من أين للمستعير صحو الوداد ونشوة السكر سبحان المانح ما هذه إلا مواهب ربانية .
وأما الذين تقدم القول بالاقتداء برأيهم في هذا الفن فإنهم ما أبرزوها إلا في أشعار التورية فمن ذلك قول القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في موصول .
( وناطقة بالنفخ عن روح ربها ... تعبر عما عندنا وتترجم ) .
( سكتنا وقالت للقلوب فأطربت ... فنحن سكوت والهوى يتكلم ) .
فإنه جمع بين التورية والتضمين والمطابقة .
وما أحلى قول الشيخ شرف الدين بن الفارض في المطابقة بالتورية في قوله .
( أرج النسيم سرى من الزوراء ... سحرا فأحيا ميت الأحياء ) .
ومثله قول الوداعي في قصيدة وهو في غاية الحسن .
( يفتن بالفاتر من طرفه ... وريقه البارد يا حار ) .
وما ألطف قول الشيخ شمس الدين الواسطي في دو بيت .
( إن ضر مني بجذوة التذكار ... حبي وبرى عظمي شكرت الباري ) .
( فالعاذل في هواي لا عقل له ... ما أبلد عاذلي وأذكى ناري ) .
ومثله قول سراج الدين الوراق .
( وبي من البدو كحلاء الجفون بدت ... في قومها كمهاة بين آساد ) .
( فلو بدت لحسان الحضر فمن لها ... على الرؤوس وقلن الفضل للبادي )