الأفعال العظيمة قدر على أن يرزق بغير حساب من شاء من عباده وهذه مبالغة التكميل المشحونة بقدرة الرب سبحانه وتعالى فانظر إلى عظم كلام الخالق هنا فقد اجتمع فيه المطابقة الحقيقية والعكس الذي لا يدرك لوجازته وبلاغته ومبالغة التكميل التي لا تليق بغير قدرته ومثل ذلك قول امرئ القيس .
( مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل ) .
فالمطابقة في الإقبال والإدبار ولكنه لما قال معا زادها تكميلا في غاية الكمال فإن المراد بها قرب الحركة في حالتي الإقبال والإدبار وحالتي الكر والفر فلو ترك المطابقة مجردة من هذا التكميل ما حصل لها هذه البهجة ولا هذا الموقع ثم إنه استطرد بعد تمام المطابقة وكمال التكميل إلى التشبيه على سبيل الاستطراد البديعي ولم يكن قد ضرب لأنواع البديع في بيوت العرب وتد ولا امتد له سبب .
وقد اشتمل بيت امرئ القيس على المطابقة والتكميل والاستطراد على طريقة فإن ابن المعتز قال هو أن يكون المتكلم في معنى فيخرج منه بطريق التشبيه إلى معنى آخر وممن كسا المطابقة ديباجة التورية أبو الطيب المتنبي حيث قال .
( برغم شبيب فارق السيف كفه ... وكانا على العلات يصطحبان ) .
( كأن رقاب الناس قالت لسيفه ... رفيقك قيسي وأنت يماني ) .
لعمري لقد رفع أبو الطيب قدر المطابقة وأزال حقارتها بمجاورة هذا النوع البديعي الذي عظم عند أهل الأدب قدرا ومثله قول الصاحب بن عباد في رثاء الوزير كثير بن أحمد .
( يقولون قد أودى كثير بن أحمد ... وذلك رزء في الأنام جليل ) .
فقلت دعوني والعلا نبكه معا ... فمثل كثير في الأنام قليل ) .
وأبو تمام كساها ديباجة المجانسة بقوله .
( بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب ) .
وما أحلى قول الأرجاني من قصيدة .
( تعلق بين الهجر والوصل مهجتي ... فلا أربي في الحب أقضي ولا نحبي )