المحاسن زائدا على المقابلة فإنه عدل عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل لكون الحركة تكون لمصلحة ولمفسدة وابتغاء الفضل حركة المصلحة دون المفسدة وهي تشير إلى الإعانة بالقوة وحسن الاختيار الدال على رجاحة العقل وسلامة الحس وإضافة الطرف إلى تلك الحركة المخصوصة واقعة فيه ليهتدي المتحرك إلى بلوغ المآرب ويتقي أسباب المهالك .
والآية الشريفة سيقت للاعتداد بالنعم فوجب العدول عن لفظ الحركة إلى لفظ هو ردفه ليتم حسن البيان فتضمنت هذه الكلمات التي هي بعض آية عدة من المنافع والمصالح التي لو عددت بألفاظها الموضوعة لها لاحتاجت في العبارة عنها إلى ألفاظ كثيرة فحصل في هذا الكلام بهذا السبب عدة ضروب من المحاسن .
ألا تراه سبحانه وتعالى كيف جعل العلة في وجود الليل والنهار حصول منافع الإنسان حيث قال لتسكنوا ولتبتغوا بلام التعليل فجمعت هذه الكلمات من أنواع البديع المقابلة والتعليل والإشارة والإرداف وائتلاف اللفظ مع المعنى وحسن البيان وحسن النسق فلذلك جاء إكلام متلائما آخذا بعضه بأعناق بعض ثم أخبرنا بالخبر الصادق إن جميع ما عدده من النعم باللفظ الخاص وما تضمنته العبارة من النعم التي تلزم من لفظ الأرداف بعض رحمته حيث قال بحرف التبعيض ومن رحمته .
وهذا كله في بعض آية عدتها عشر كلمات فالحظ هذه البلاغة الباهرة والفصاحة الظاهرة .
انتهى .
ومن أمثلة صحة المقابلة في السنة الشريفة قول النبي ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا كان الخرق في شيء إلا شانه ) .
فانظر كيف قابل الرفق بالخرق والزين بالشين بأحسن ترتيب وأتم مناسبة .
وهذا الباب في مقابلة اثنين باثنين ومنه قوله تعالى ( فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ) ومنه قول النبي ( إن لله عبادا جعلهم مفاتيح الخير مغاليق الشر ) .
ومنه وهو ظريف في مقابلة اثنين باثنين أن المنصور قال لمحمد ابن عمران إنك لبخيل .
فقال يا أمير المؤمنين لا أحمد في حق ولا أذم في باطل .
ومنه في النظم قول النابغة .
( فتى كان فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا ) .
وقول الحلي .
( ورنح الرقص منه عطفا ... خف به اللطف والدخول ) .
( فعطفه داخل خفيف ... وردفه خارج ثقيل )