ويعجبني في الاستعارة المرشحة قول ابن سعيد الموصلي من قصيدة يتشوق فيها إلى دمشق المحروسة فإنه أتى فيها في بيت واحد باستعارات كثيرة مع اجتناب الحشو ومطلع القصيدة قوله .
( سقى دمشق وأياما مضت فيها ... مواطر السحب ساريها وغاديها ) .
وبيت الاستعارة بعده .
( ولا يزال جنين النبت ترضعه ... حوامل المزن في أحشا أراضيها ) .
ومن أغرب الاستعارات وأبدعها وأحشمها قول ابن زيدون من قصيدته النونية المشهورة .
( سران في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يفشينا ) .
وقد عن لي أن أنثر في حدائق الاستعارة نبذة من زهر المنثور وأورد منه ما يزهو بوروده على روضات الزهور كقول القائل وطفقنا نتعاطى شموسا من أكف بدور وجسوم نار في غلائل نور إلى أن ذاب ذهب الأصيل على لجين الماء وشبت نار الشفق في فحمة الظلماء ومثله قول علي بن ظافر الحداد في دوح انعطفت قدود أشجاره وابتسمت ثغور أزهاره وذر كافور مائه على عنبر طينته وامتدت بكاسات الجلنار أنامل غصونه .
وقال آخر وأجاد وقد عرق بالندا جبين النسيم وابتل جناح الهواء وضربت خيمة الغمام وأغرورقت مقلة السماء وقام خطيب الرعد فنبض عرق البرق .
ولقد حاز القاضي الفاضل قصبات السبق في هذا الميدان بقوله كتبها المملوك وقد عمشت مقلة السراج وشابت لمة الدواة وخرس لسان القلم وكل خاطر السكين وضاق صدر الورق .
وما أحلى قول القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر والأغصان قد أخضر نبات عارضها ودنانير الأزهار ودراهمها قد تهيأت لتسليم قابضها .
وقال جمال الدين بن نباتة كتبها المملوك ودمع الغيث قد رقا ووجه الأرض قد راق