أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود وزمن شديد يعد فيه المحسن مسيئا ويزداد فيه الظالم عتوا لا ننتفع بما علمناه ولا نسأل عما جهلناه ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا فالناس على أربعة أصناف منهم من لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلال حده ونضيض وفره ومنهم المصلت لسيفه المجلب بخيله ورجله المعلن بشره قد أشرط نفسه وأوبق دينه لحطام ينتهره أو مقنب يقوده أو منبر يفرعه ولبئس المتجر أن تراهما لنفسك ثمنا ومما لك عند الله عوضا ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا قد طامن من شخصه وقارب من خطوه وشمر من ثوبه وزخرف نفسه للأمانة واتخذ ستر الله ذريعة للمعصية ومنهم من قد أقعده عن طلب الملك ضئولة نفسه وانقطاع سببه فقصرت به الحال عن أمله قتحلى باسم القناعة وتزين بلباس الزهاد وليس من ذلك في مراح ولا مغدى وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع وأراق دموعهم خوف المحشر فهم بين شريد نافر وخائف منقمع وساكت مكعوم وداع مخلص وموجع ثكلان قد أخملتهم التقية وشملتهم الذلة فهم بحر أجاج أفواههم ضامزة وقلوبهم قرحة قد وعظوا حتى ملوا وقهروا حتى ذلوا وقتلوا