في كلام يدخل به إلى ذكر ما أريد منه فلما رأى ذلك منذر بن سعيد البلوطى وكان ممن حضر في زمرة الفقهاء قام من ذاته بدرجة من مرقاته فوصل افتتاح أبى على لأول خطبته بكلام كان يسحه سحا كأنما كان يحفظه قبل ذلك بمدة فقال .
أما بعد حمد الله والثناء عليه والتعداد لالائه والشكر لنعمائه والصلاة والسلام على محمد صفيه وخاتم أنبيائه فإن لكل حادثة مقاما ولكل مقام مقال وليس بعد الحق إلا الضلال وإني قد قمت في مقام كريم بين يدي ملك عظيم فأصغوا إلى معشر الملا بأسماعكم وأتقنوا عني بأفئدتكم إن من الحق أن يقال للمحق صدقت وللمبطل كذبت وإن الجليل تعالى في سمائه وتقدس في صفاته وأسمائه أمر كليمة موسى صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع أنبيائه أن يذكر قومه بأيام الله جل وعز عندهم وفيه وفي رسول الله أسوة حسنة وإنى أذكركم بأيام الله عندكم وتلافية لكم بخلافة أمير المؤمنين التي لمت شعثكم وأمنت سربكم ورفعت قوتكم بعد أن كنتم قليلا فكثركم ومستضعفين فقواكم ومستذلين فنصركم ولاه الله رعايتكم وأسند إليه إمامتكم أيام ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق وأحاطت بكم شعل النفاق حتى صرتم في مثل حدقة البعير من ضيق الحال ونكد العيش والتغيير فاستبدلتم بخلافته من الشدة الرخاء وانتقلتم بيمن سياسته إلى تمهيد كنف العافية بعد استيطان البلاء .
أنشدكم بالله معاشر الملأ ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها والسبل مخوفة فأمنها