( وخلفتني فردا وقد كنت آنسا ... وقد عادت الأيام من بعدها غبرا ) ثم قال بالله يا أخي إلا ما قبلت ما أقول لك فإني اعلم أن المنية قد حضرت لا محالة فإذا أنا مت فخذ عباءتي هذه فكفني فيها وضم هذا الجسد الذي بقي منها معي وادفناني في قبر واحد وخذ شويهاتي هذه وجعل يشير إليها فسوف تأتيك امرأة عجوز هي والدتي فاعطها عصاي هذه وثيابي وشويهاتي وقل لها مات ولدك كمدا بالحب فإنها تموت عند ذلك فادفنها إلى جانب قبرنا وعلى الدنيا مني السلام قال فوالله ما كان إلا قليل حتى صاح ووضع يده على صدره ومات لساعته فقلت والله لأصنعن له ما أوصاني به فغسلته وكفنته في عباءته وصليت عليه ودفنته ودفنت باقي جسدها إلى جانبه وبت تلك الليلة باكيا حزينا فلما كان الصباح أقبلت امرأة عجوز وهي كالولهانة فقالت لي هل رأيت شابا يرعى غنما فقلت لها نعم وجعلت أتلطف بها ثم حدثتها بحديثه وما كان من خبره فأخذت تصيح وتبكي وأنا ألاطفها إلى أن أقبل الليل وما زالت تبكي بحرقة إلى أن مضى من الليل برهة فقصدت نحوها فإذا هي مكبة على وجهها وليس لها نفس يصعد ولا جارحة تتحرك فحركتها فإذا هي ميتة فغسلتها وصليت عليها ودفنتها إلى جانب قبر ولدها وبت الليلة الرابعة فلما كان الفجر قمت فشددت فرسي وجمعت الغنم وسقتها فإذا أنا بصوت هاتف يقول .
( كنا على ظهرها والدهر يجمعنا ... والشمل مجتمع والدار والوطن ) .
( فمزق الدهر بالتفريق ألفتنا ... وصار يجمعنا في بطنها الكفن ) قال فأخذت الغنم ومضيت إلى الحي لبني عمهم فأعطيتهم الغنم وذكرت لهم القصة فبكي عليهم أهل الحي بكاء شديدا ثم مضيت إلى أهلي وأنا متعجب مما رأيت في طريقي .
ومن ذلك ما حكي أن زوج عزة أراد أن يحج بها فسمع كثير الخبر فقال والله لا حجن لعلي أفوز من عزة بنظرة قال فبينما الناس في