ليستريحوا في بعض الأماكن فنامت الجواري فهبت الريح فانكشف بطن إحداهن وهي الكوفية فبان نور ساطع وكان اسمها مكتوم فنظر إليها ابن النخاس وكان شابا جميلا ففتن بها لساعته فأتاها على غفلة من أصحابه وجعل يقول .
( أمكتوم عيني لا تمل من البكا ... وقلبي باسهام الأسى يترشق ) .
( أمكتوم كم من عاشق قتل الهوى ... وقلبي رهين كيف لا أتعشق ) فأجابته تقول .
( لو كان حقا ما تقول لزرتنا ... ليلا إذا هجعت عيون الحسد ) قال فلما جن الليل انتضى الفتى ابن النخاس سيفه وأتى نحو الجارية فوجدها قائمة تنتظر قدومه فأخذها وأرادأن يهرب ففطن به أصحابه فأخذوه وكتفوه وأوثقوه بالحديد ولم يزل مأسورا معهم إلى أن قدموا على عبد الملك بن مروان فلما مثلوا بالجواري بين يديه أخذ الكتاب ففتحه وقرأه فوجد الصفة وافقت اثنتين من الجواري ولم توافق الثالثة ورأى في وجهها صفرة وهي الجارية الكوفية فقال للنخاسين ما بال هذه الجارية لم توافق حليتها التي ذكرها الحجاج في كتابه وما هذا الاصفرار الذي بها والانتحال فقالوا يا أمير المؤمنين نقول ولنا الأمان قال وان كذبتم هلكتم فخرج أحد النخاسين وأتى بالفتى وهو مصفد بالحديد فلما قدموه بين يدي أمير المؤمنين بكى بكاء شديدا وأيقن بالعذاب ثم أنشأ يقول .
( أمير المؤمنين أتيت رغما ... وقد شدت إلى عنقي يديا ) .
( مقرا بالقبيح وسوء فعلي ... ولست بما رميت به بريا ) .
( فان تقتل ففوق القتل ذنبي ... وان تعفو فمن جود عليا ) فقال عبد الملك يا فتى ما حملك على ما صنعت استخفاف بنا أم هوى الجارية قال وحق رأسك يا أمير المؤمنين وعظم قدرك ما هو إلا هوى الجارية فقال هي لك بما أعددته لها فأخذها الغلام بكل ما أعده لها أمير المؤمنين من الحلي والحلل وسار بها فرحا مسرورا إلى نحو أهله حتى إذ كانا ببعض الطريق نزلا بمرحلة ليلا فتعانقا وناما فلما أصبح الصباح