ومن حكايات الخلفاء ومكارم أخلاقهم ما حكي عن إبراهيم بن المهدي قال قال جعفر بن يحيى يوما لبعض ندمائه إني قد استأذنت أمير المؤمنين في الخلوة غدا فهل من مساعدة ؟ فقلت جعلت فداءك أنا أسعد بمساعدتك وأسر بمشاهدتك فقال بكر بكور الغراب قال فأتيته عند الفجر فوجدت الشموع قد أوقدت بين يديه وهو ينتظرني في الميعاد فما زلنا في أطيب عيش إلى وقت الضحى فقدمت إلينا موائد الأطعمة عليها من أفخر الطعام وأطيبه فأكلنا وغسلنا أيدينا ثم خلعت علينا ثياب المنادمة وضمخنا بالخلوق وانتقلنا إلى مجلس الطرب ومدت الستائر وغنت القينات فظللنا بأنعم يوم ثم إنه داخله الطرب فدعا بالحاجب وقال له إذا أتى أحد يطلبنا فأذن له ولو كان عبد الملك بن صالح بنفسه فاتفق بالأمر المقدر إن عم الرشيد عبد الملك بن صالح قدم علينا في ذلك الوقت وكان صاحب جلالة وهيبة ورفعة وعنده من الورع والزهد والعبادة ما لا مزيد عليه وكان الرشيد إذا جلس مجلس لهو لا يطلعه على ذلك لشدة ورعه فلما قدم دخل به الحاجب علينا فلما رأيناه رمينا ما في أيدينا وقمنا إجلالا له نقبل يده وقد ارتعنا لذلك وخجلنا وزاد بنا الحياء فقال لا بأس عليكم كونوا على ما أنتم عليه ثم صاح بغلام فدفع له ثيابه ثم أقبل علينا وقال اصنعوا بنا ما صنعتم بأنفسكم قال فما كان بأسرع من أن طرحت عليه ثياب خز معلم وقدمت إليه موائد الطعام والشراب فطعم وشرب الشراب لساعته ثم قال خففوا عني فإنه شيء ما فعلته والله قط قال فتهلل وجه جعفر ثم التفت إلى عبد الملك فقال له جعلت فداءك قد علوت علينا وتفضلت فهل من حاجة تبلغها مقدرتي وتحيط بها نعمتي فاقضيها لك مكافأة لك على ما صنعت قال بلى إن في قلب أمير المؤمنين بعض تغير علي فتسأله الرضا عني فقال جعفر قد رضي عنك أمير المؤمنين قال وعلي عشرة آلاف دينار فقال جعفر هي حاضرة لك من مالي ولك من مال أمير المؤمنين مثلها قال أريد أن أشد ظهر ابني إبراهيم بمصاهرة من أمير المؤمنين قال قد زوجه أمير المؤمنين بابنته الغالية قال وأحب أن أن تخفق الألوية على رأسه قال وقد ولاه