إلى صحراء بيت المقدس يوما في الأسبوع وتجتمع عليه الخلق فيقرأ الزبور بتلك القراءة الرخيمة وكان له جاريتان موصوفتان بالقوة والشدة فكانتا تضبطان جسده ضبطا شديدا خيفة أن تنخلع أوصاله مما كان ينتحب وكانت الوحوش والطير تجتمع لاستماع قراءته قال مالك بن دينار C تعالى بلغنا أن الله تعالى يقيم داود E يوم القيامة عند ساق العرش فيقول يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم وقال سلام الحادي للمنصور وكان يضرب المثل بحدائه مر يا أمير المؤمنين بأن يظمأوا إبلا ثم يورودها الماء فإني آخذ في الحداء فترفع رؤوسها وتترك الشرب وزعم أهل الطب أن الصوت الحسن يجري في الجسم مجرى الدم في العروق فيصفو له الدم وتنمو له النفس ويرتاح له القلب وتهتز له الجوارح وتخف له الحركات ولهذا كرهوا للطفل أن ينام على أثر البكاء حتى يرقص ويطرب وزعمت الفلاسفة أن النغم فصل بقي من النطق لم يقدر اللسان على استخراجه فاستخرجته الطبيعة بالألحان على الترجيع لا على التقطيع فلما ظهر عشقته النفس وحينت إليه الروح ألا ترى إلى أهل الصناعات كلها إذا خافوا الملالة والفتور على أبدانهم ترنموا بالألحان واستراحت إليها أنفسهم وليس من أحد كائنا من كان إلا وهو يطرب من صوت نفسه ويعجبه طنين رأسه ولو لم يكن من فضل الصوت الحسن إلا أنه ليس في الأرض لذة تكتسب من مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا صيد إلا وفيها معاناة على البدن وتعب على الجوارح ما خلا السماع فإنه لا معاناة فيه على البدن ولا تعب على الجوارح وقد يتوصل بالألحان الحسان إلى خيري الدنيا والآخرة فمن ذلك أنها تبعث على مكارم الأخلاق من اصطناع المعروف وصلة الأرحام والذب عن الأعراض والتجاوز عن الذنوب وقد يبكي الرجل بها على خطيئته ويتذكر نعيم الملكوت ويمثله في ضميره ولأهل الرهبانية نغمات وألحان شجية يمجدون الله تعالى بها ويبكون على خطاياهم ويتذكرون نعيم الآخرة وكان أبو يوسف القاضي يحضر مجلس الرشيد وفيه الغناء فيجعل مكان السرور به بكاء كأنه يتذكر نعيم الآخرة وقد تحن