رأى العين كالحبر الأسود فإن أخذ منه الإنسان في يده شيئا رآه أبيضا صافيا إلا أنه أمر من الصبر مالح شديد الملوحة فإذا صار ذلك الماء في بحر الروم تراه أخضر كالزنجار والله تعالى يعلم لأي شيء ذلك وكذلك يرى في بحر الهند خليج أحمر كالدم وبحر أصفر كالذهب وخليج أبيض كاللبن تتغير هذه الألوان في هذه المواضع والماء في نفسه أبيض صاف وقيل إن تغير الماء بلون الأرض .
وأما ما يخرج من البحر من السمك وغيره فقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال بعثنا رسول الله إلى ساحل البحر وأمر علينا أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه نتلقى عير قريش وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل فأشرفنا على ساحل البحر فرأينا شيئا كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة من دواب البحر تدعى العنبر فأقمنا شهرا نأكل منها ونحن ثلاثمائة حتى سمنا ولقد رأيتنا نغترف من الدهن الذي في وقب عينيها بالفلال ونقطع منه القطعة كالثور ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينها وأخذ ضلعا من أضلاعها فأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها وتزودنا من لحمها فلما قدمنا المدينة ذكرنا لرسول الله ذلك فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم شيء من لحمها فتطعمونا فأرسلنا له منه فأكله وقيل يخرج من البحر سمكة عظيمة فتتبعها سمكة أخرى أعظم منها لتأكلها فتهرب منها إلى مجمع البحرين فتتبعها فتضيق عليها مجمع البحرين لعظمها وكبرها فترجع إلى البحر الأسود وعرض مجمع البحرين مائة فرسخ فتبارك الله رب العالمين .
وقال صاحب تحفة الألباب ركبت في سفينة مع جماعة فدخلنا إلى مجمع البحرين فخرجت سمكة عظيمة مثل الجبل العظيم فصاحت صيحة عظيمة لم أسمع قط أهول منها ولا أقوى فكاد قلبي ينخلع وسقطت على وجهي أنا وغيري ثم ألقت السمكة نفسها في البحر