يجد بدا من أن يقول هو صادق فاعترف بالاسلام وكان بعض الملوك قد كتب ثلاث رقاع وقال لوزيره إذا رأيتني غضبان فادفع إلي رقعة بعد رقعة وكان في الأولي أنك لست بإله وإنك ستموت وتعود إلى التراب فيأكل بعضك بعضا وفي الثانية ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء وفي الثالثة اقض بين الناس بحكم الله فانهم لا يصلحهم إلا ذلك ولما كانت أمور المملكة عائدة إلى الوزراء وأزمة الملوك في أكف الوزراء سبق فيهم من العقلاء المثل السائر فقالوا لا تغتر بمودة الأمير إذا غشك الوزير وإذا أحبك الوزير فنم لا تخش الأمير ومثل السلطان كالدار والوزير بابها فمن أتى الدار من بابها ولج ومن أتاها من غير بابها انزعج وموقع الوزارة من المملكة كموقع المرآة من البصر فكما أن من لم ينظر في المرآة لا يرى محاسن وجهه وعيوبه كذلك السلطان إذا لم يكن له وزير لا يعلم محاسن دولته وعيوبها ومن شروط الوزير أن يكون كثير الرحمة للخلق رؤوفا بهم .
واعلم أنه ليس للوزير أن يكتم عن السلطان نصيحة وإن استقلها وموضع الوزير من المملكة كموضع العينين من الرأس وكما أن المرآة لا تريك وجهك الا بصفاء جوهرها وجودة صقلها ونقائها من الصدا كذلك السلطان لا يكمل أمره إلا بجودة عقل الوزير وصحة فهمه ونقاء قلبه والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين