( فيا رب فاترك لي جُهَيْمَةَ أَعْصُراً ... فمَالكُ موتٍ بالقضاء دَهاني ) - الطويل - هذا رجل مات نساؤه شيئاً فشيئاً فتظلّم من مَلَك الموت .
وحقيقة لفظه غلط وفاسد وذلك أن هاذ الأعرابي لما سمعم يقولون مَلَك الموت وكثر ذلك الكلام سبق إليه أن هذه اللفظة مركبة من ظاهر لفظها فصارت عنده كأنها فعل لأن ملكاً في اللفظ في صورة فَلَك وحَلَك فبنى منها فاعلاً فقال : مَالك موت وعدّى مالكاً فصار في ظاهر لفظه كأنه فاعل وإنما مالك هنا على الحقيقة والتحصيل مافل كما أن مالكاً على التحقيق مَفل وأصله مَلأك فألزمت همزته التخفيف فصار ملكاً .
فإن قلت : فمن أين لهذا الأعرابي مع جفائه وغلظ طبعه معرفةُ التصريف حتى يبني من ظاهر لفظ مَلَك فاعلاً فقال مالك .
قيل : هَبْهُ لا يعرف التصريف أتراه لا يحسن بطبعه وقوّة نفسه ولطف حسه هذا القَدْر ! هذا ما لا يجب أن يعتقده عارف بهم آلفٌ لمذاهبهم لأنه وإن لم يعلم حقيقة تصريفه بالصَّنْعَة فإنه يجدها بالقوّة ألا ترى أن أعرابياً بايَع على أن يشرب عُلْبة لبن لا يتنحنح فلما شرب بعضها كدَّه الأمر فقال : كبش أملح فقيل له : ما هذا تنحنحت ! فقال : من تنحنح فلا أفلح أفلا تراه كيف استعان لنفسه ببحة الحاء واسْتَرْوَح إلى مُسْكة النفس بها وعلّلها بالصُّوَيْت اللاحق في الوقت لها ! ونحن مع هذا نعلم أن هذا الأعرابي لا يعلم أن في الكلام شيئاً يقال له حاء فضلاً عن أن يعلمَ أنها من الحروف المهموسة وأن الصوت يلحقها في حال سكونها والوقف عليها ما لا يلحقها في حال حركتها أو إدرَاجها في حال سكونها في نحو بحر ودحن إلاّ أنه وإن لم يحسن شيئاً من هذه الأوصاف صَنْعَة ولا علماً فإنه يجدها طبيعة ووهماً فكذلك الآخر لما سمع ملكاً وطال ذلك عليه أحسَّ من ملك في اللفظ ما يُحسه في حَلَك فكما أنه يقول أسود حالك قال هنا من لفظ ملك مَالك وإن لم يَدْر أن مثال ملك فَعل أو مَفل ولا أن مالكاً فاعل أو مافل ولو بنى من ملك على حقيقة الصنعة فاعل لقيل لائك كبائك وحائك .
قال : وإنما مكَّنت القول في هذا الموضوع ليَقْوَى في نفسك قوّة حس هؤلاء