وقال لنا أبو عليّ : يكاد يُعْرَف صدقُ أبي الحسن ضرورة وذلك أنه كان مع الخليل في بلد واحد ولم يحك عنه حرفاً واحداً هذا إلى ما يعرف من عقل الكسائي وعفَّته و ( صَلَفه ) ونزاهته حتى إن الرشيد كان يُجْلسه ومحمد بن الحسن على كرسيين بحضرته ويأمرهما ألاّ ينزعجا لنهضته .
وحكى أبو الفضل الرياشي قال : جئتُ أبا زيد لأقرأ عليه كتابه في النبات فقال : لا تقرأه عليّ فإنني قد أُنْسيته .
وحَسْبُنا من هذا حديث سيبويه ( وقد خط بكتابه ) وهو ألف ورقة علْماً مبتكراً ووَضْعاً متجاوزاً لما يسمع ويرى قلما تُسْند إليه حكاية أو تُوصَل به رواية إلاّ الشاذ الفذ الذي لا حفل به ولا قدر فلولا تحفُّظ مَنْ يليه ولزومه طريق ما يعنيه لكثرت المَحْكيَّات عنه ونيطتْ أسبابها به لكن أخلد كُلُّ إنسان منهم إلى عصمته وادّرع جلْبَابَ ثقته وحمى جانبه من صدقه وأمانته ما أريد من صون هذا العلم الشريف ( لذويه ) .
فإن قلت : فإنا نجدُ علماء هذا الشأن من البلدين والمتحلّين به من المصْرين كثيراً ما يهجّن بعضُهم بعضاً فلا يترك له في ذلك سماءً ولا أرضاً قيل : هذا أدلُّ دليلٍ على كرم هذا الأمر ونزاهة هذا العلم ألا ترى أنه إذا سبق إلى احدهم ظنَّةٌ أو توجهت نحوه شبهة سُبّ بها وبُرىء إلى الله منه لمكانها ولعل أكثر ما يُرمى بسقطة في رواية أو غمزة في حكاية محمي جانب الصدق فيها برىء عند الله من تبعتها لكن أخذت عنه إما لاعْتنَان شبهة عرضت له أو لمن أخذ عنه وإما لأن ثالبَه ومُتَعَيّبَه مقصر عن مغزاه مغضوض الطرف دون مداه وقد عرض الشبهة للفريقين ويعترض على كلا الطريقين فلولا أن هذا العلم في نفوس أهله والمتفيئين بظله كريم الطرفين ! جدد السمتين لما تسابُّوا بالهجنة فيه ولا تنابزوا بالألقاب في تحصين فروجه ونواحيه ليطووا ثوبه على أعدل غُرره ومطاويه نعم ! وإذا كانت هذه المناقضات والمنافسات موجودة بين السلف القديم و ( بين باقيه ) بالمنصب والشرف العميم ممن هم سُرُج الأنام والمؤتم بهديهم في الحلال والحرام ثم لم