فسأله أبو الأسود عنه فقال : هذه لغةٌ لم تَبْلُغْك .
فقال له : يابن أخي إنه لا خيرَ لك فيما لم يَبْلُغْني . فعرَّفَه بلُطْف أن الذي تكلَّم به مُخْتَلَق . وخَلَّة أخرى : إنه لم يبلغنا أن قوماً من العرب في زمانٍ يقاربُ زماننا أجمعوا على تسمية شيء من الأشياء مُصْطَلحين عليه فكنا نستدلّ بذلك على اصطلاحٍ قد كان قبلَهم .
وقد كان في الصحابة رضي اللّه عنهم - وهم البُلَغاءُ والفصحاءُ - من النظر في العلوم الشريفة ما لا خفاءَ به وما عَلمناهم اصطلَحوا على اختراع لغة أو إحْدَاث لفظةٍ لم تتقدمهم .
ومعلوم أن حوادثَ العالَم لا تنقضي إلاّ بانْقضَائه ولا تزولُ إلاّ بزَواله وفي كل ذلك دليلٌ على صحَّة ما ذهَبْنا إليه من هذا الباب .
هذا كله كلام ابن فارس وكان من أهل السنة .
( رأي ابن جني ) .
وقال ابنُ جني في الخصائص وكان هو وشيخه أبو عليّ الفارسي مُعْتَزليَّيْن : باب القول على أصل اللغة إلهام هي أم اصطلاح .
هذا موضع مُحْوج إلى فَضْل تأمُّل غير أن أكثَر أهل النظر على أن أصلَ اللغة إنما هو تواضعٌ واصطلاح ( لا ) وَحْيٌ ولا توقيفٌ إلاّ أن أبا علي ( رحمه اللّه ) قال لي يوماً : هي من عند اللّه واحتج بقوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسماءَ كُلهَّا ) وهذا لا يتناول موضعَ الخلاف وذلك أنه قد يجوز أن يكونَ تأويلُه : أَقدَرَ آدَمَ على أَنْ واضَعَ عليها .
وهذا المعنى من عند اللّه سبحانه لا مَحالة فإذا كان ذلك مُحْتَمَلاً غير مُسْتَنْكَر سقط الاسْتدلال به .
وقد كان أبو علي ( رحمه اللّه ) أيضاً قال به في بعض كلامه وهذا أيضاً رأي أبي الحسن على أنه لم يمنعْ قولَ مَنْ قال إنها تواضعٌ منه وعلى أنه قد فُسّر هذا بأن قيل : إنه تعالى علَّم آدمَ أسماء جميع المخلوقات بجميع اللَّغات : العربية والفارسية والسريانية والعبرانية والرُّومية وغير ذلك من ( سائر اللغات ) فكان آدمُ وولدُه يتكلمون بها .
ثم إن ولدَه تفرَّقوا في