النبي : ( لعلَّ أحدَكم أن يكون ألحنَ بحجته . . . ) أي أفطن لها وأغوص عليهاوذلك أن أصل اللحن أن تريد شيئاً فتورّي عنه بقول آخر كقول العنبري وقد كان أسيراً في بكر بن وائل حين سألهم رسولاً إلى قومه فقالوا له : لا تُرْسل إلاَّ بحضرتنالأنهم كانوا قد أزمعوا غَزْوَ قومهفخافوا أن يُنْذرهم فجىء بعبد أسود فقال ( له : أتعقلُقال : نعم إني لعاقل : ما أراك كذلك فقال : بلى فقال : ما هذا - وأشار بيده إلى الليل - فقال : هذا الليل .
قال : ما أراك عاقلاً .
ثم ملأ كفّيه من الرمل فقال : كم هذا . فقال : لا أدري وإنه لكثير قال : أيما أكثر النجوم أم الترابقال : كلٌّ كثير .
قال ) : أبلغ قومي التّحية وقل لهم : ليُكْرموا فلاناً - يعني أسيراً كان في أيديهم من بكر فإن قومَه لي مكرمون وقل لهم : إنَّ العَرْفَج قد أدْبى وقد شكّت النساءوأمْرُهم أن يُعْروا ناقتي الحمراءفقد أطالوا ركوبها وأن يركبوا جملي الأصْهَب بآية ما أكلتُ معكم حَيْساًواسْألوا الحارث عن خَبري .
فلما ادّى العبدُ الرسالة قالوا : لقد جُنَّ الأعور واللّه ما نعرف له ناقةً حمراءولا جملاً أصْهبثم سرَّحوا العبد ودعُوا الحارث فقصّوا عليه القصةفقال : قد أنذركمأما قوله : أدْبي العّرْفج : يريد أن الرجال قد اسْتَلأَموا ولبسوا السلاح وقوله : شَكَّت النساء أي اتخذن الشّكاء للسفر وقوله : الناقة الحمراء أي ارتحلوا عن الدَّهْناء واركبوا الصَّمَّان وهو الجمل الأصهب وقوله : أكلت معكم حَيْساًيريد أخلاطاً من الناس قد غَزْوكملأن الحَيْس يجمع التمر والسمن والأَقط .
فامتثلوا ما قال وعرفوا لَحْن كلامه واخذا هذا المعنى أيضاً رجل كان أسيراً في بني تميم فكتب إلى قومه شعراً : - من البسيط - .
( حُلُّوا عن الناقة الحمراء أرحُلكم ... والبازلَ الأصهَب المعقول فاصْطَنعُوا )