اللّغوي ويقيس عليه ومثَالُهما المحدّث والفقيه فشأنُ المحدّث نقلُ الحديث برُمَّته ثم إن الفقيهَ يتلقَّاه ويتصرَّفُ فيه ويبسط فيه علَله ويقيسُ عليه الأمثال والأشباه .
قال أبو علي - فيما حكاه ابنُ جنّي : يجوز لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم وشعرَنا على شعرهم .
- المسألة الثالثة عشرة - في أن اللغة هل تثبت بالقياس .
قال الكيَا الهرَّاسي في تعليقه الذي استقرّ عليه آراء المحققين من الأصوليين : إن اللغة لا تَثْبتَ قياساً ولا يجري القياسُ فيها .
وقال كثيرٌ من الفقهاء : القياسُ يجري في اللغة وعُزي هذا إلى الشافعيّ رضي اللّه عنه ولم يدُل عليه نصُّه إنما دلَّت عليه مسائلُه فنُصدّر المسألة بتصويرها فنقول : أما أسماء الأعلام الجامدة والألقاب المحضة فلا يجري القياسُ فيها لأنه لا يُفيد وصفاً للمُسَمَّى وإنما وُضعَت لمجرَّد التّعيين والتّعريف ولو قَلَبْتَ فَسَمَّيْت زيداً بعمرو وعكسه لصحّ إذ كلُّ اسمٍ منها لم يختص بمن سُمّي به لمعنىً حتى لا يجوزَ أن يُعْدَل به إلى غيره .
فليست هذه الصورةُ من محلّ الخلاف .
ولا يجوزُ أيضاً أن يكونَ محلّ الخلاف المصادر التي يُقال هي مشتَقةٌ من الأفعال نحو ضرب ضرباً فهو ضارب وقتل قَتْلاً فهو قاتل فهذا ليس بقياس بل هو معلومٌ ضرورة من لغتهم ونُطْقهم به على هذا الوجه ولكنّ محلّ الخلاف الأسماءُ المشتقَّة من المعاني كما يُقال في الخمر إنه مشتقٌّ من المُخَامرة أو التَّخْمير فإذا سُمّي خَمْراً من هذا الاشتقاق كان ما وُجد فيه ذلك خمراً كالنبيذ وغيره .
قال : وهذا عندنا باطلٌ والدليل عليه أن إجراءَ القياس في اللغة لا يخلُو إما أن يُعْلَمَ عقلاً أو نقلاً أما العقلُ فلا مجالَ له في ذلك لأنه يجوزُ أن يكونَ واضعُ اللغة قد قصدَ بهذا الاسم أن يختصّ بما سُمّي به ويجوز أن يكُونَ لم يقصد الاختصاص بل يُسمّى به كلّ ما في معناه وإذا كان الأمران جائزين في العقل لم يرجَّح أحدُهما على الآخر من غير مرجّح .
وإن كان بطريق النّقل فالنقل إما تَوَاتُر أو آحاد أما التواتر فلا مَطْمع فيه إذْ لو كان لَعَلمْناه ولكان مُخَالفُه مكابراً وأما الآحادُ فظنٌّ وتخمين لا يستندُ إلى أصلٍ مَقطوع به