دلالة المتكلم عقليَّة لا وَضعيَّة واحتجَّ له في كتاب الفيصل على المفصل بوجهين : .
أحدهما - أن من لا يَعْرف من الكلام العربيّ إلاّ لفظين مفردين صالحين لإسناد أحدهما إلى الآخر فإنه لا يَفْتَقر عند سماعهما مع الإسناد إلى مَعّرف بمعنى الإسناد بل يُدْركه ضرورة .
وثانيهما - إن الدَّال بالوضع لا بدَّ من إحصائه ومنع الاستئناف فيه كما كان في المفردات والمركَّبات القائمة مقامها فلو كان الكلامُ دالاًّ بالوضْع وجب ذلك فيه ولم يكن لنا أن نتكلم بكلام لم نُسْبَق إليه كما لم نَستعمل في المفردات إلاّ ما سَبَق اسْتعماله وفي عدم ذلك برهانٌ على أنَّ الكلامَ ليس دالاًّ بالوضع .
وحكاه ابنُ إياز عن شيخه قال : ولو كان حالُ الجُمَل كحال المفردات في الوضع لكان استعمال الجُمَل وفهمُ معانيها متوقفاً على نَقْلها عن العرب كما كانت المفرداتُ كذلك ولَوَجَبَ على أهل اللغة أن يَتَتَبَّعوا الجُمَل ويُودعُوها كُتبَهم كما فعلوا ذلك بالمفردات ولأن المركّبات دلالتُها على معناها التركيبي بالعقل لا بالوضع فإنَّ مَنْ عرف مسمَّى ( زيد ) وعرف مسمَّى ( قائم ) وسمع ( زيد قائم ) بإعرابه المخصوص فَهمَ بالضرورة معنى هذا الكلام وهو نسْبَةُ القيام إلى زيد نعم يصحّ أن يقالَ : إنها موضوعة باعتبار أنها متوقّفة على معرفة مفرداتها التي لا تُستفاد إلاّ من جهة الوَضْع ولأَن للَّفْظ المركَّب أجزاء مادّية وجزءاً صورياً وهو التأليفُ بينهما وكذلك لمعناه أجزاءٌ مادّية وجزءٌ صوريّ والأجزاءُ المادية من اللفظ تدل على الأجزاء المادية من المعنى والجزءُ الصوريّ منه يدل على الجزء الصوريّ من المعنى بالوَضْع .
والثاني - أنها موضوعة فوضعت ( زيد قائم ) للإسناد دون التَّقوية في مفرداته ولا تَنَافي بين وَضْعها مفردةً للإسناد بدون التَّقوية وَوَضْعها مركَّبة للتَّقوية ولا تختلف باختلاف اللغات فالمضافُ مقدَّم على المضاف إليه في بعض اللغات ومؤخَّر عنه في بَعْض ولو كانت عقليّةً لفهم المعنى واحداً سواءٌ تقدّم المضافُ على المضاف إليه أو تأخر وهذا القولُ ظاهرُ كلام ابن الحاجب حيث قال : أقسامُها مفرد ومركب .
قال القَرَافي : وهو الصحيح .
وعزَاه غيرُه للجمهور بدليل أنها حَجَرت في التَّراكيب كما حَجَرت في المفردات فقالت : من قال : ( إن قائم زيداً ) ليس من كلامنا .
ومن قال : ( إن زيداً