ومن هذا القسم ضرب محمود لا عيب فيه وهو أن يكون البيت من الشعر قد تضمن شيئا لا يمكن تغيير لفظه فحينئذ يعذر ناثره إذا أتى بذلك اللفظ ومثاله قول الشاعر في أول الحماسة .
( لَوْ كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إِبِلي ... بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا ) .
وقد نثرت ذلك فقلت لست ممن تستبيح إبله بنو اللقيطة ولا الذي إذا هم بأمر كانت الآمال إليه وسيطة ولكني أحمل الهمل وأقرب الأمل وأقول سبق السيف العذل فذكر بني اللقيطة ههنا لا بد منه على حسب ما ذكره الشاعر وكذلك الأمثال السائرة فإنه لا بد من ذكرها على ما جاءت في الشعر .
وأما القسم الثاني وهو وسط بين الأول والثالث في المرتبة وهو أن ينثر المعنى المنظوم ببعض ألفاظه ويعزم عن البعض بألفاظ أخر وهناك تظهر الصنعة في المماثلة والمشابهة ومؤاخاة الألفاظ الباقية بالألفاظ المرتجلة فإنه إذا أخذ لفظا لشاعر مجيد قد نقحه وصححه فقرنه بما لا يلائمه كان كمن جمع بين لؤلؤة وحصاة ولا خفاء بما في ذلك من الانتصاب للقدح والاستهداف للطعن .
والطريق المسلوك إلى هذا القسم أن تأخذ بعض بيت من الأبيات الشعرية هو أحسن ما فيه ثم تماثله .
وسأورد ههنا مثالا واحدا ليكون قدوة للمتعلم فأقول .
قد ورد هذا البيت من شعر أبي تمام في وصف قصيدة له .
( حَذَّاءَ تَملأ كُلَّ أذْنٍ حِكْمَةً ... وَبَلاَغَةً وَتُدِرُّ كُلّ وَرِيدِ )