وقال إنه جمع الجفنات والأسياف جمع قلة وهو في مقام فخر وهذا مما يحط من المعنى ويضع منه وقد ذهب إلى هذا غيره أيضا وليس بشيءلأن الغرض إنما هو الجمعفسواء أكان جمع قلة أم جمع كثرة ويدل على ذلك قوله تعالى ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) أفترى نعم الله أكانت قليلة على إبراهيم صلوات الله عليه وكذلك ورد قوله D في سورة النمل ( وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) فقال ( واستيقنتها أنفسهم ) فجمع النفس جمع قلة وما كان قوم فرعون بالقليل حتى تجمع نفوسهم جمع قلة بل كانوا مئين ألوفا وهذا أيضا مما يبطل قول الصولي وغيره في مثل هذا الموضعوكذلك ورد قوله D ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) والنفوس المتوفاة والنائمة لا ينتهي إلى كثرتها كثرةلأنها نفوس كل من في العالم .
واعلم أن للمدح ألفاظا تخصه وللذم ألفاظا تخصه وقد تعمق قوم في ذلك حتى قالوا من الأدب ألا تخاطب الملوك ومن يقاربهم بكاف الخطاب وهذا غلط باردفإن الله الذي هو ملك الملوك قد خوطب بالكاف في أول كتابه العزيز فقيل ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وقد ورد أمثال هذا في مواضع من القرآن غير محصورة إلا أني قد راجعت نظري في ذلك فرأيت الناس بزمانهم أشبه منهم بأيامهم والعوائد لا حكم لها ولا شك أن العادة أوجبت للناس مثل هذا التعمق في ترك الخطاب بالكاف لكني تأملت أدب الشعراء والكتاب في هذا الموضع فوجدت الخطاب لا يعاب في الشعر ويعاب في الكتابة إذا كان المخاطب دون المخاطب درجة وأما إن كان فوقه فلا عيب في خطابه إياه بالكافلأنه ليس من التفريط في شيء