وقال أبو العلاء محمد بن غانم المعروف بالغانمي إن كتاب الله خال من التخلص .
وهذا القول فاسد لأن حقيقة التخلص إنما هي الخروج من كلام إلى آخر غيره بلطيفة تلائم بين الكلام الذي خرج منه والكلام الذي خرج إليه وفي القرآن الكريم مواضع كثيرة من ذلك كالخروج من الوعظ والتذكير بالإنذار والبشارة بالجنة إلى أمر ونهي ووعد ووعيد ومن محكم إلى متشابه ومن صفة إلى لنبي مرسل وملك منزل إلى ذم شيطان مريد وجبار عنيد بلطائف دقيقة ومعان آخذ بعضها برقاب بعض .
فما جاء من التخلص في القرآن الكريم قوله تعالى ( واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباءكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ربي هب لي حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مالا ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أينما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أظلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ) .
هذا كلام يسكر العقول ويسحر الألباب وفيه كفاية لطالب البلاغة فإنه متى أنعم فيه نظره وتدبر أثناءه ومطاوي حكمته على أن في ذلك غنى عن تصفح الكتب