( تَأَمَّلْ مِنْ خِلاَل السَّجْفِ وَانْظُرْ ... بِعَيْنِكَ مَا شَربْتُ ومَنْ سَقَاني ) .
( تَجِدْ شَمْسَ الضُّحَى تَدْنُو بِشَمْس ... إِليَّ مِنَ الرَّحِيقِ الْخُسْرُوَانِي ) ولما كان الحضور في هذا المجلس مما يعز وجوده وكان الساقي فيه على هذه الصفة من الحسن قال أنظر بعينك .
وعلى هذا ورد قوله تعالى ( ذلكم قولكم بأفواهكم ) فإن هذا القول لما كان فيه افتراء عظم الله تعالى على قائله ألا ترى إلى قوله تعالى في قصة الإفك ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) فصرح في هذه الآية بما أشرت إليه من تعظيم الأمر المقول .
وفي مساق الآية المشار إليها جاء قوله تعالى ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبنائكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) ألا ترى أن مساق الكلام أن الإنسان يقول لزوجته أنت علي كظهر أمي ويقول لمملوكه يا بني فضرب الله لذلك مثالا فقال كيف تكون الزوجة أما وكيف يكون المملوك ابنا والجمع بين الزوجية والأمومة وبين العبودية والبنوة في حالة واحدة كالجمع بين القلبين في الجوف وهذا تعظيم لما قالوه وإنكار له ولما كان الكلام في حال الإنكار والتعظيم أتى بذكر الجوف وإلا فقد علم أن القلب لا يكون إلا في الجوف والتمثيل يصح بقوله ( ما جعل الله لرجل من قلبين ) وهو تام لكن في ذكر الجوف فائدة وهي ما أشرت اليها وفيها أيضا زيادة تصوير للمعنى المقصود لأنه إذا سمعه المخاطب به صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين فكان ذلك أسرع إلى إنكاره .
وعليه ورد قوله تعالى ( فخر عليهم السقف من فوقهم ) فكما أن القلب لا يكون إلا في الجوف فكذلك السقف لا يكون إلا من فوق وهذا مقام ترهيب