هذا سبيله وذاك أنه لا يكون إلا فيما دل الكلام عليهِ ألا ترى أن التي تبلغ التراقي إنما هي النفسِ وذلك عند الموتِ فعلم حينئذ أن النفس هي المرادةِ وإن كان الكلام خالياً عن ذكرهاِ وكذلك قول حاتم ( حشرجت ) فإن الحشرجة إنما تكون عند الموت .
وأما قول العرب ( أرسلت ) وهم يريدون أرسلت السماء فإن هذا يقولونه نظراً إلى الحالِ وقد شاع فيما بينهم أن هذه كلمة تقال عند مجيء المطرِ ولم ترد في شيء من أشعارهمِ ولا في كلامهم المنثورِ وإنما يقولها بعضهم لبعض إذا جاء المطرِ فالفرق بينها وبين ( حشرجت ) وبين ( بلغت التراقي ) ظاهرِ وذاك أن ( حشرجت ) و ( بلغت التراقي ) يفهم منها أن النفس التي حشرجتِ وأنها هي التي بلغت التراقيِ وأما ( أرسلت ) فلولا شاهد الحال وإلا لم يجز أن تكون دالة على مجيء المطرِ ولو قيل في معرض الاستسقاء إنا خرجنا نسأل الله فلم نزل حتى أرسلت لفهم من ذلك أن التي أرسلت هي السماءِ ولا بد في الكلام من دليل على المحذوفِ وإلا كان لغواً لا يلتفت إليه .
الضرب الثاني حذف الفعل وجوابه اعلم أن حذف الفعل ينقسم قسمين أحدهما يظهر بدلالة المفعول عليهِ كقولهم في المثل أهلك والليلِ فنصب ( أهلك والليل ) يدل على محذوف ناصبِ تقديره الحق أهلك وبادر الليل وهذا مثل يضرب في التحذير وعليه ورد قوله تعالى ( فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ) .
ومما ورد منه في الأخبار النبوية أن جابراً تزوج فقال له رسول الله ما تزوجت ؟