وحذفها وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدرِ كأنهم قالوا فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمونِ فوصل تارة بالفاءِ وتارة بالاستئناف للتفنن في البلاغةِ وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف وهو قسم من أقسام علم البيان تتكاثر محاسنهِ فاعرفه إن شاء الله تعالى .
الضرب الثاني الاكتفاء بالسبب عن المسببِ وبالمسبب عن السبب .
فأما الاكتفاء بالسبب عن المسبب فكقوله تعالى ( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر ) كأنه قال وما كنت شاهداً لموسى وما جرى له وعليه ولكنا أوحيناه إليكِ فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترةِ ودل به على المسبب الذي هو الوحيِ على عادة اختصارات القرآن لأن تقدير الكلام ولكنا أنشأنا بعد عهد الوحي إلى موسى إلى عهدك قروناً كثيرة فتطاول على آخرهم - وهو القرن الذي أنت فيهم - العمر أي أمد انقطاع الوحيِ فاندرست العلومِ فوجب إرسالك إليهمِ فأرسلناكِ وعرفناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى فالمحذوف إذاً جملة مفيدةِ وهي جملة مطولة دل السبب فيها على المسبب .
وكذلك ورد قوله تعالى عقيب هذه الآية أيضاً ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ) فإن في هذا الكلام محذوفاً لولاه لما فهمِ لأنه قال ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك ) وهذا لا بد له من محذوف حتى يستقيم نظم الكلامِ وتقديره ولكن عرفناك ذلك وأوحينا إليك رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك فذكر الرحمة التي هي سبب إرساله إلى الناسِ ودل بها على المسبب الذي هو الإرسال .
وأما حذف الجملة غير المفيدة من هذا الضرب فنحو قوله تعالى حكاية عن مريم عليها السلام ( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً )