قديمها وحديثها وحفظت ما حفظت منها وكنت إذا مررت بنظري في ديوان من الدواوين ويلوح لي فيه مثل هذه الألفاظ أجد لها نشوة كنشوة الخمر وطربا كطرب الألحان وكثير من الناظمين والناثرين يمر على ذلك ولا يتفطن له سوى أنه يستحسنه من غير نظر فيما نظرت أنا فيه ويظنه كغيره من الألفاظ المستحسنة .
فمما جاء من ذلك قول أبي تمام .
( كَمْ صَارٍمٍ عَضْبٍ أنَافَ عَلَى فَتًى ... منْهُمْ لأعْبَاءِ الْوغَى حَمَّالِ ) .
( سَبَق المشِيبُ إِلَيْهِ حَتَّى ابْتَزَّهُ ... وَطَنَ النّهَى مِنْ مَفْرِقٍ وَقَذَالِ ) .
فقوله وطن النهى من الكلمات الجامعة وهي عبارة عن الرأس ولا يجاء بمثلها في معناها مما يسد مسدها .
وكذلك ورد قول البحتري .
( قَلبٌ يُطِلُّ عَلَى أَفْكَارِهِ وَيَدٌ ... تَمْضِي الأُمُورَ وَنَفْسٌ لَهْوُهَا التَّعَبُ ) .
فقوله قلب يطل على أفكاره من الكلمات الجوامع ومراده بذلك أن قلبه لا تملؤه الأفكار ولا تحيط به وإنما هو عال عليها يصف بذلك عدم احتفاله