وكذلك ورد قوله تعالى في سورة نوح عليه السلام ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ) فإن غفاراً أبلغ في المغفرة من غافرِ لإن فعالاً يدل على كثرة صدور الفعلِ وفاعلاً لا يدل على الكثرة .
عليه ورد قوله تعالى ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) فالتواب هو الذي تتكرر منه التوبة مرة على مرةِ وهو فعال وذلك أبلغ من التائب الذي هو فاعلِ فالتائب اسم فاعل من تاب يتوب فهو تائب أي صدرت منه التوبة مرة واحدة فإذا قيل تواب كان صدور التوبة منه مراراً كثيرة .
وهذا ما يجري مجراه إنما يعمد إليه لضرب من التوكيدِ ولا يوجد ذلك إلا فيما معنى الفعلية كاسم الفاعل والمفعولِ وكالفعل نفسهِ نحو قوله تعالى ( فكبكبوا فيها هم والغاوون ) فإن معنى كبكبوا من الكبِ وهو القلبِ إلا أنه مكرر المعنىِ وإنما استعمل في الآية دلالة على شدة العقاب لأنه موضع يقتضي ذلك .
ولربما نظر بعض الجهال في هذا فقاس عليه زيادة التصغير وقال إنها زيادةِ ولكنها زيادة نقصِ لأنه يزاد في اللفظ حرفِ كقولهم في الثلاثي في رجل رُجَيلِ وفي الرباعي في قنديل قُنَيدِيل فالزيادة وردت ههنا فنقصت من معنى هاتين اللفظتينِ وهذا ليس من الباب الذي نحن بصدد ذكره لأنه عار عن معنى الفعليةِ والزيادة في الألفاظ لا توجب زيادة في المعانيِ إلا إذا تضمنت معنى الفعليةِ لأن الأسماء التي لا معنى للفعل فيها إذا زيدت استحال معناهاِ ألا ترى أنا لو نقلنا لفظة عذب وهي ثلاثيةِ إلى الرباعي عَذَيب فقلنا على وزن جعفر لاستحال معناهاِ ولم يكن لها معنى وكذلك لو نقلنا لفظة عسجدِ وهي رباعية إلى الخماسي فقلنا عَسجَدِدِ على وزن جَحمَرِش لاستحال معناهاِ وهذا بخلاف ما فيه معنى الفعلية كقادر ومقتدر فإن قادراً اسم فاعل قدرِ وهو ثلاثيِ ومقتدراً اسم فاعل اقتدرِ وهو رباعي فلذلك كان معنى القدرة في اقتدر أشد من معنى القدرة في قدرِ وهذا لا نزاع فيه .
وهذا الباب بجملته لا يقصد به إلا المبالغة في إيراد المعانيِ وقد يستعمل