يجري الحكم في جميع الآيات المذكورةِ وفي الأثر عن الزبير Bهِ وفي الأبيات الشعرية .
وعليه ورد قوله تعالى أيضاًِ وهو ( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) فقال أولاً ( خر من السماء ) بلفظ الماضيِ ثم عطف عليه المستقبل الذي هو ( فتخطفه ) و ( تهوي ) وإنما عدل في ذلك إلى المستقبل لاستحضار صورة خطف الطير إياه وهوي الريح بهِ والفائدة في ذلك ما أشرت إليه فيما تقدمِ وكثيراً ما يراعى أمثال هذا في القرآن .
وأما الضرب الثاني - الذي هو مستقبل - فكقوله تعالى ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) فإنه إنما عطف المستقبل على الماضي لأن كفرهم كان ووجدِ ولم يستجدوا بعده كفراً ثانياًِ وصدهم متجدد على الأيام لم يمض كونهِ وإنما هو مستمر يستأنف في كل حينِ وكذلك ورد قوله تعالى ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير ) ألا ترى كيف عدل عن لفظ الماضي ههنا إلى المستقبل فقال ( فتصبح الأرض مخضرة ) ولم يقل فأصبحت عطفاً على أنزلِ وذلك لإفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمانِ فإنزال الماء مضى وجودهِ واخضرار الأرض باق لم يمضِ وهذا كما تقول أنعم علي فلان فأروح وأغدو شاكراً لهِ ولو قلت فرحت وغدوت شاكراً لهِ لم يقع ذلك الموقع لأنه يدل على ماض قد كان وانقضى وهذا موضع حسن ينبغي أن يتأمل .
وأما الإخبار بالفعل الماضي عن المستقبل فهو عكس ما تقدم ذكرهِ وفائدته أن الفعل الماضي إذا أخبر به عن الفعل المستقبل الذي لم يوجد بعد كان ذلك أبلغ وأوكد في تحقيق الفعل وإيجادهِ لأن الفعل الماضي يعطي من المعنى أنه قد كان ووجدِ وإنما يفعل ذلك إذا كان الفعل المستقبل من الأشياء العظيمة التي يستعظم وجودها