وقد رأيت جماعة من متخلقي هذه الصناعة يجعلون همهم مقصورا على الألفاظ التي لا حاصل وراءها ولا كبير معنى تحتها وإذا أتى أحده بلفظ مسجوع على أي وجه كان من العثاثة والبرد يعتقد أنه قد أتى بأمر عظيم ولا يشك في أنه صار كاتبا مفلقا وإذا نظر إلى كتاب زماننا وجدوا كذلك فقاتل الله القلم الذي يمشي في أيدي الجهال الأغمار ولا يعلم أنه كجواد يمشي تحت حمار ولو أنه لا يتطاول إليه إلا أهله لبان الفاضل من الناقص على أنه كالرمح الذي إذا اعتقله حامله بين الصفين بان به المقدم من الناكص وقد أصبح اليوم في يد قوم هم أحوج من صبيان الكاتب إلى التعليم وقد قيل إن الجهل بالجهل داء لا ينتهي إليه سقم السقيم وهؤلاء لا ذنب لهم لأنهم لو لم يستخدموا في الدول ويستكتبوا وإلا ما ظهرت جهالتهم وفي أمثال العوام لا تعر الأحمق شيئا فيظنه له وكذلك يجري الأمر مع هؤلاء فإنهم استكتبوا في الدول فظنوا أن الكتابة قد صارت لهم بأمر حق واجب .
ومن أعجب الأشياء أني لا أرى إلا طامعا في هذا الفن مدعيا له على خلوه عن تحصيل آلاته وأسبابه ولا أرى أحدا يطمع في فن من الفنون غيره ولا يدعيه هذا وهو بحر لا ساحل له يحتاج صاحبه إلى تحصيل علوم كثيرة حتى ينتهي إليه ويحتوي عليه فسبحان الله فسبحان الله هل يدعى بعض هؤلاء أنه فقيه أو طبيب أو حاسب أو غير ذلك من غير أن يحصل آلات ذلك ويتقن معرفتها .
فإذا كان العلم الواحد من هذه العلوم الذي يمكن تحصيله في سنة أو سنتين من الزمان لا يدعيه أحد من هؤلاء فكيف يجيء إلى فن الكتاب وهو ما لا تحصل معرفته إلا في سنين كثيرة فيدعيه وهو جاهل به .
ومما رأيته من المدعين لهذا الفن الذين حصلوا منه على القشور وقصروا معرفتهم على الألفاظ المسجوعة الغثة التي لا حاصل وراءها أنهم إذا أنكرت هذه الحال عليهم وقيل لهم إن الكلام المسجوع ليس عبارة عن تواطؤ الفقر على حرف واحد فقط إذ لو كان عبارة عن هذا وحده لأمكن أكثر الناس أن يأتوا به من غير كلفة وإنما هو أمر وراء هذا وله شروط متعددة فإذا سمعوا ذلك أنكروه