الحق ( وماعلمناه الشعر ) ثم قال ( وما ينبغي له ) ثم قال ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فعم ولم يخص وأطلق ولم يقيد فمن الخصال التي ذمهم بها تكلف الصنعة والخروج الىالمباهاة والتشاغل عن كثير من الطاعة ومناسبة أصحاب التشديق ومن كان كذلك كان أشد افتقارا الى السامع من السامع اليه لشغفه ان يذكر في البلغاء وصبابته باللحاق بالشعراء ومن كان كذلك غلبت عليه المنافسة والمغالبة وولد ذلك في قلبه شدة الحمية وحب المحاربة .
ومن سخف هذا السخف وغلب الشيطان عليه هذه الغلبة كانت حاله داعية الى قول الزور والفخر بالكذب وصرف الرغبة الى الناس والافراط في مديح من اعطاه وذم من منعه فنزه الله رسوله ولم يعلمه الكتاب والحساب ولم يرغبة في صنعة الكلام والتقيد لطلب الالفاظ والتكلف لاستخراج المعاني فجمع له باله كله في الدعاء الى الله والصبر عليه والمجاهدة فيه والانبتات اليه والميل الى كل ما يقرب منه فأعطاه الاخلاص الذي لا يشوبه رياء واليقين الذي لا يعتوره شك والعزم المتمكن والقوة الفاضلة فاذا رأت مكانه الشعراء وفهمته الخطباء ومن قد تعبد للمعاني وتعود نظمها وتنضيدها وتأليفها وتنسيقها واستخراجها من مدافنها وإثارتها من اماكنها علموا انهم لا يبلغون بجميع ما معهم مما قد استفرغهم واستغرق مجهودهم وبكثير من قد خولوه قليلا ممايكون معه على البداهة والفجاءة من غير تقدم في طلبه واختلاف الى اهله .
وكانوا مع تلك المقامات والسياسات ومع تلك الكلف والرياضيات لا ينفكون في بعض تلك المقامات من بعض الاستكراه والزلل ومن بعض التعقيد والخطل ومن التفنن والانتشار ومن التشديق والاكثار ورأوه مع ذلك يقول إياي والتشادق وأبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون ثم رأوه في جميع غاية في التسديد والصواب التام والعصمة الفاضلة والتأييد الكريم وعلموا ان ذلك من ثمرة الحكمة ونتاج التوفيق وان تلك الحكمة من ثمرة التقوى ونتاج الاخلاص .
وللسلف الطيب حكم وخطب كثيرة صحيحة ومدخولة لا يخفى شأنها على نقاد الالفاظ وجهابذة المعاني متميزة عند الرواة الخلص وما بلغنا عن احد