وقال ابن الاشعث لاصحابه وهو على المنبر قد علمنا ان كنا نعلم وفهمنا ان نفهم ان المؤمن لا يلسع من جحر مرتين وقد والله لسعت بكم من جحر ثلاث مرات وانا استغفر الله من كل ما خالف الايمان وأعتصم به من كل ما قرب من الكفر .
وأنا اذكر بعد هذا فنا آخر من كلامه وهو الكلام الذي قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه وجل عن الصنعة ونزه عن التكلف وكان كما قال الله تبارك وتعالى قل يا محمد ( وما أنا من المتكلفين ) فكيف وقد عاب التشديق وجانب اصحاب التقعير واستعمل المبسوط في موضع البسط والمقصور في موضع القصر وهجر الغريب الوحشي ورغب عن الهجين السوقي فلم ينطق الا عن ميراث حكمة ولم يتكلم الا بكلام قد حف بالعصمة وشيد بالتأييد ويسر بالتوفيق .
وهذا الكلام الذي ألقى الله المحبة عليه وغشاه بالقبول وجمع له بين المهابة والحلاوة بين حسن الافهام وقلة عدد الكلام ومع استغنائه عن اعادته وقلة حاجة السامع الى معاودته لم تسقط له كلمة ولا زلت له قدم ولا بارت له حجة ولم يقم له خصم ولا أفحمه خطيب بل يبذ الخطب الطوال بالكلام القصير ولا يلتمس اسكات الخصم الا بما يعرفه الخصم ولا يحتج الا بالصدق ولا يطلب الفلج الا بالحق ولا يستعين بالخلابة ولا يستعمل المواربة ولا يهمز ولا يلمز ولا يبطىء ولا يعجل ولا يسهب ولا يحصر ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا ولا اصدق لفظا ولا أعدل وزنا ولا اجمل مذهبا ولا اكرم مطلبا ولا احسن موقعا ولا اسهل مخرجا ولا افصح عن معناه ولا أبين في فحواه من كلامه كثيرا ولم أرهم يذمون المتكلف للبلاغة فقط بل كذلك يرون المتظرف والمتكلف للغناء ولا يكادون يضعون اسم المتكلف الا في المواضع التي يذمونها قال قيس بن خطيم .
( فما المال والأخلاق الا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود ) .
( واني لأغنى الناس عن متكلف ... يرى الناس ضلالا وليس بمهتد ) .
وقال ابن قميئة