أساءني وسرني .
وكما قال الحماسي .
( أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضي ) .
ثم طرد ذلك في نقيضه فأراد أن يكني عما يوجبه دوام التلاقي من السرور بالجمود لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شيء آخر وأخطأ لأن الجمود خلو العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها فلا يكون كناية عن المسرة وإنما يكون كناية عن البخل كما قال الشاعر .
( ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود ) .
ولو كان الجمود يصلح أن يراد به عدم البكاء في حال المسرة لجاز أن يدعي به للرجل فيقال لا زالت عينك جامدة كما يقال لا أبكى الله عينك وذلك مما لا يشك في بطلانه .
وعلى ذلك قول أهل اللغة سنة جماد لا مطر فيها وناقة جماد لا لبن لها فكما لا تجعل السنة والناقة جمادا إلا على معنى أن السنة بخيلة بالقطر والناقة لا تسخو بالدر لا تجعل العين جمودا إلا وهناك ما يقتضي إرادة البكاء منها وما يجعلها إذا بكت محسنة موصوفة بأنها قد جادت وإذا لم تبك مسيئة موصوفة بأنها قد ضنت فالكلام الخالي عن التعقيد المعنوي ما كان الانتقال من معناه الأول إلى معناه الثاني الذي هو المراد به ظاهرا حتى يخيل إلى السامع أنه فهمه من سياق اللفظ كما سيأتي من الأمثلة المختارة للاستعارة والكناية وقيل فصاحة الكلام وهي خلوصه مما ذكر ومن كثرة التكرار وتتابع الإضافات كما في قول أبي الطيب .
( سبوح لها منها عليها شواهد ... )