وكذا قول القبعثري للحجاج لما توعده بقوله لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب أي من كان على هذه الصفة من السلطان وبسطة اليد ولم يقصد أن يجعل أحدا مثله وكذلك حكم غيره إذا سلك به هذا المسلك فقيل غيري يفعل ذاك على معنى أني لا أفعله فقط من غير إرادة التعريض بإنسان وعليه قوله .
( غيري بأكثر هذا الناس ينخدع ... ) .
فإنه معلوم أنه لم يرد أن يعرض بواحد هناك فيصفه بأنه ينخدع بل أراد أنه ليس ممن ينخدع وكذا قول أبي تمام .
( وغيري يأكل المعروف سحتا ... ويشحب عنده بيض الأيادي ) .
فإنه لم يرد أن يعرض بشاعر سواه فيزعم أن الذي قرف به عند الممدوح من أنه هجاء كان من ذلك الشاعر لا منه بل أراد أن ينفي عن نفسه أن يكون ممن يكفر النعمة ويلؤم لا غير واستعمال مثل وغير هكذا مركوز في الطباع وإذا تصفحت الكلام وجدتهما يقدمان أبدا على الفعل إذا نحي بهما نحو ما ذكرناه ولا يستقيم المعنى فيهما إذا لم يقدما والسر في ذلك أو تقديمهما يفيد تقوي الحكم كما سبق تقريره وسيأتي أن المطلوب بالكناية في مثل قولنا مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود هو الحكم وأن الكناية أبلغ من التصريح فيما قصد بها فكان تقديمهما أعون للمعنى الذي جلبا لأجله قيل وقد يقدم لأنه دال على العموم كما تقول كل إنسان لم يقم فيقدم ليفيد نفي القيام عن كل واحد من الناس لأن الموجبة المعدولة المهملة في قوة السالبة